ما يدفع إلى التساؤل ارتباطاً بإقدام "داعش" ليبيا على "ذبح" واحد وعشرين مواطنا مصريا قبطيا، هو أن هؤلاء الضحايا كانوا أولا مواطنين مصريين يعملون في ليبيا من أجل لقمة العيش، فلا هم ليبيون ينتمون إلى احد أطراف الصراع الداخلي بين الجماعات والقبائل والقوى المتصارعة على السلطة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي حتى اللحظة، ولا هم عناصر عسكرية تقاتل ضمن صفوف قوات التحالف مثلا، كما أنهم حتى ليسوا مواطني دولة غربية.
لماذا تستهدف "داعش" ليبيا مواطني الدولة المصرية، إن لم يكن "انتصارا" للإخوان المسلمين الذين أسقط حكمهم الجيش المصري قبل نحو عامين، وإن لم يكن بهدف زرع بذور الشقاق الطائفي في مصر، كذلك بهدف جر الجيش والأمن المصري إلى جبهة أخرى، تشغله عن الداخل المصري؟!
من الواضح، أنه ومنذ تم إسقاط نظام الأخوان في مصر، وبعد أن نجح الجيش والشعب والشرطة المصريون في التصدي لرد فعل جماعة الأخوان التي هددت أيام "رابعة" و"النهضة"، خاصة على لسان خيرت الشاطر بحرق البلاد، وجد الأخوان وأنصارهم المناهضون لثورة 30 يونيو ضالتهم في شبه جزيرة سيناء، فمارسوا الإرهاب بحق عناصر الجيش والشرطة المصريين ثم بحق المواطنين الذي قاموا بذبح العشرات منهم بحجة أنهم "متعاونون" مع الجيش المصري!
هل يمكن استبعاد فكرة أن ما يسمى بأنصار بيت المقدس، ما هم إلا جماعة أخوانيه متطرفة، تحارب معركة الأخوان، حتى لو كانت ليست إخوانية فإنما تقوم بالحرب نيابة عنهم، أو بشكل مرتزق أي مقابل دعم مالي وسياسي ولوجستي أخواني، أو في أحسن أحوالها، بدافع من الشراكة السياسية ومن حالة التحالف التي تظهرها كل جماعات الإسلام السياسي، بكل تلاوينها، تجاه أي نظام حكم "إسلامي" أو حتى تجاه أي سلطة تحكّم تمارسها جماعة هنا أو جماعة هناك.
هناك العديد من الشواهد التي تشير إلى ذلك، ولا يقتصر _ برأينا _ الأمر على جماعات الإوان في مصر، الأردن، تونس، اليمن مروراً بفلسطين وصولا إلى تركيا، بل يشمل أيضا "القاعدة" و"داعش" و"النصرة"، فهناك معلومات تشير إلى غض نظر نظام أردوغان التركي عن "داعش العراق / سورية"، ليس فقط انه لا يشارك في الحرب عليها، لكن تواطؤه أو تعاطفه معها اتضح في حرب عين العرب " كوباني " كذلك لم تعارض "القاعدة" حكم الأخوان في مصر خلال عام كامل، ولا كل جماعات التطرف إن كانت تلك الموجودة في غزة أو في سيناء نفسها، وحزب التحرير لا يفعل أي شيء من شأنه أن يعكر صفو حكم "حماس" المستبد في غزة، ولا حتى تفعل مثل هذا الأمر "الجهاد الإسلامي"، وحتى حين كانت تحدث "مواجهات ميدانية" كانت قيادات الجماعات تسارع إلى احتوائها، وخير دليل على ذلك ما حدث بين "داعش" و"النصرة" من صراع على النفوذ في شمال / شرق سورية، قبل أن تحسمه "داعش" بالتمدد شرقا داخل حدود العراق، وبعد أن حاول الظواهري التوسط بين الجماعتين.
ما يجمع كل جماعات الإسلام السياسي، وإن كانت تتباين في درجة التشدد، والتي نظن أنها تتباين ليس بسبب من اختلاف فكري نوعي بينها، ولكن ارتباطا، أولا بدرجة التطور المدني للمجتمع، وقد ظهر هذا في النموذج التونسي، أو ارتباطا بوجودها في السلطة أو تحت الأرض.
أحزاب الإسلام السياسي ذات القاعدة الجماهيرية، المتحققة بفضل عشرات السنين من وجود هذه الأحزاب، مثل الأخوان، التحرير، النهضة، تجد فرصتها في الوصول إلى الحكم بعد إسقاط أنظمة حكم الفرد المستبد مباشرة وعبر انتخابات لمرة واحدة، كما حدث في فلسطين ومصر وحتى اليمن وتونس، فيما الجماعات التي ظهرت بعد إسقاط الأنظمة وبفضل حالة الفوضى السياسية فإنها تولد متطرفة، وهكذا فان عدم قدرة أحزاب ذات قاعدة جماهيرية مثل الإخوان والتحرير على "التأقلم" مع اللعبة السياسة / الديمقراطية في الحكم يدفعها إلى التطرف كما حدث في النموذج الفلسطيني ومن ثم المصري، وهكذا ليس في الممارسة وحسب تجد أن المعتدل اليوم يصبح متطرفا غدا، ولكن تجد حالة من التعاطف والتضامن ووحدة الحال بين كل الجماعات بشكل عام، بما في ذلك من تنتمي للإسلام السني أو الشيعي. وحيث إن الأمر كذلك، وان التاريخ قال لنا بأن الاستبداد العثماني كان احد أسباب تبني النخبة الثقافية / السياسية العربية منذ مطلع القرن الماضي للفكر القومي والاشتراكي، وذهاب النخب لاعتناق الأفكار العلمانية فان ممارسة جماعات الإرهاب الفكري والسياسي، مع رفع عباءة الدين سيكون سببا في ابتعاد شرائح واسعة من الشباب العربي عن الدين الحنيف، بل وعن تفشي ظاهرة الإلحاد، لاحقا، وهكذا _ بتقديرنا _ فإن ممارسة العنف والإرهاب من قبل جماعات الإسلام السياسي لن يقتصر خطرها على الدولة القطرية القائمة وحسب، بل سيمتد إلى درجة الإيمان بالدين الحنيف نفسه، وما لم يتم الفصل بين الدين والسياسة فان التعطش للسلطة وممارسة أسوأ أشكال الحكم السياسي، سيسيء جداً إلى الدين، إن لم يشعل حروبا دينية طاحنة، تعيد بلادنا إلى العصور الوسطى!