سعت إسرائيل منذ اللحظة الأولى لاحتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 إلى محاربة الاقتصاد الفلسطيني من خلال خلق تشوهات هيكلية في الاقتصاد الفلسطيني وعزله عن محيطه العربي والإسلامي، وتحويله إلى اقتصاد تابع للاقتصاد الإسرائيلي.
وتواصلت هذه التشوهات حتى من بعد قدوم السلطة الفلسطينية في العام 1994، حيث لم تتمكن السلطة الفلسطينية بعد تأسيسها من صياغة وتنفيذ رؤية واضحة للتخلص من التبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي, وذلك بسبب عدم قدرة السلطة على تغيير هذا الواقع وفقدانها السيطرة على أدوات السياسات الاقتصادية ( المالية والنقدية والتجارية) وعلى معابرها ومواردها الطبيعية.
وعليه فقد ولدت السلطة منقوصة السيادة, إذ لم تستطع الانعتاق من حالة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي, واعتمادها الكبير على مصادر التمويل الخارجية وبشكل أساسي على القروض الخارجية والمنح والمساعدات.
وبذلك فقد بقيت معظم أدوات السياسات الاقتصادية الرئيسية والموارد الطبيعية في أيدي الإسرائيليين, وتركزت جهود السلطة الفلسطينية على التعاطي والتعايش مع نتائج فقدان السيطرة على هذه الأدوات ضمن منظومة الواقع الاحتلالي.
كما واصلت إسرائيل استهدافها للاقتصاد الفلسطيني وخلق تشوهات أخرى عن طريق التهرب من الاتفاقيات المبرمة مع الجانب الفلسطيني, بجانب انتهاكاتها المتواصلة والمستمرة حتى الآن بما فيها الحصار المفروض على قطاع غزة , حيث قامت بإغلاق كافة المعابر التجارية والحد من حركة الأفراد منذ حزيران 2007, ويشكل هذا الحصار انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة.
يضاف إلى ذلك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع, فقد شنت إسرائيل ثلاث اعتداءات عسكرية وحشية في الأعوام 2008, 2012, 2014, أوقعت آلاف الشهداء والجرحى, عدا الخسائر الجسيمة في الممتلكات والبنى التحتية, والورش والمصانع, والأراضي الزراعية, والمرافق العامة والخاصة, ويعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في منتصف 2014, الفصل الأعنف والأكثر دموية وتدميرًا في سلسلة الاعتداءات التي لا زالت إسرائيل تشنها ضد شعبنا.
ولإحداث تطور جوهري ومستدام في الاقتصاد الفلسطيني يتطلب أولاً إنهاء الاحتلال، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحريته في السيطرة على موارده ومعابره وحدوده، وما يشمله من ضمانات بوقف الانتهاكات الإسرائيلية ضده.
ومن ثم خلق الترابط الاقتصادي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وما يتطلبه ذلك من وحدة وطنية (أي إتمام ملف المصالحة بشكل فعلي وطي صفحة الانقسام البغيض), بالإضافة ضرورة عدم ربط المنح والمساعدات الدولية باشتراطات سياسية، لأنها يجب أن تكون جزءاً من الالتزام بالتضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني في التنمية.
وأخيراً تنويع الشركاء التجاريين مع العالم الخارجي أي تعزيز علاقة الاقتصاد الفلسطيني بالبعد العربي والإسلامي والدولي, وذلك للتخلص من التبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي.
رائد محمد حلس
كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية .. غزة – فلسطين