من المُسلّمات أن الإرهاب أينما حلّ لادين له هو ذات الفعل الجبان ليس مفصّلاً على مقاس جغرافيا سياسية محددة أو مُعتقد مُعين إذ لايمكن الفصل بين الإرهاب الذي استهدف صحيفة"شارلي ايبدو" الصادرة في باريس وبين قتل ثلاثة من الطلاب الفلسطينيين الأبرياء في ولاية كارولاينا الشمالية الأمريكية على خلفية عنصرية وإن حاولت بعض الجهات الرسمية الصمت إضافة لوسائل الإعلام الأمريكية والغربية ومن يقف خلفهما طمس الحقيقة الدامغة ذات الصلة بما يجري من تهويل ظاهرة "الأسلامو فوبيا" في الغرب وتصويرالأمر وكأنه جريمة جنائية عادية ، أو حرق الطيار الأردني معاذ الكسسابة وهو حياً ، وأيضاً حرق الفتى الفلسطيني المقدسي محمد أبو خضير على أيدي المتطرفين الصهاينة وهو حي هؤلاء أصحاب اليد الطولى بهذه الأساليب الخسيسة لكنه لم يلقى ذات الإهتمام لدي الرأي العام الدولي ولم يُسيّر أحداً مسيرةً عالمية مليونية أستنكاراً للجريمة النكراء لسبب بسيط كون الأمر يتعلق بإسرائيل ، أو نحر العمال المصريين بصورة استعراضية بشعة الذين لاذنب لهم سوى البحث عن لقمة العيش الكريم في ليبيا التي مزّقها حلف الناتو بغطاءٍ عربي ودولي ثم تخلى عنها الجميع عندما تحققت الأهداف التدميرية لمقومات هذا البلد إسوة بما فعلوه بالعراق من قبل تحت ذرائع ثبُت بطلانها .
كما لايمكن للعالم الذي يدعي قدسية حقوق الإنسان التعامي تجاه إرهاب كيان الإحتلال المسكوت عنه الذي يمثل أخطر أنواع الإرهاب الرسمي المُنظـّم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته التي تُدنـّس يومياً في باحات المسجد الأقصى عبر بروفة اقتحامات المستوطنين وأعضاء كنيست ووزراء حكوميين بحماية تامة من جيش الإحتلال ودفع الأجهزة الأمنية لغلاة لمتطرفين الذي قال عنها رئيس حكومة الإحتلال أنها معركة "السيطرة على القدس" تمهيداً للحدث الجلل وهوبناء الهيكل المزعوم إن لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان حيث أصبح من الناحية العملية كذلك فالتراجع إلى الوراء قليلاً نتيجة الهبّة الشعبية للمقدسيين وسحب السفير الأردني من تل أبيب ماهو إلا مقدمة لفعلٍ أكبر في الوقت المناسب ولن تجد حكومة التطرف العنصري وقتاً أفضل من الراهن العربي والإسلامي الذي لايرى عن قصد أبعد من أنفه ، فضلاً عن عمليات القتل المتعمد والقائمة التي لاتنتهي من الإنتهاكات الموصوفة بجرائم الحرب ضد الإنسانية بما في ذلك اعتقال مايربوعلى مائتي طفل دون بلوغهم السن القانوني وكذا عمليات التدمير الممنهج للمتلكات وفرض الحصار الجائرعلى قطاع غزة المنكوب نتيجة العدوان الذي يتنافى مع أبسط القوانين الإنسانية وكافة الأعراف والمواثيق الدولية وإفلاته من العقاب والمسائلة .
إن الحقيقة الناصعة التي لايمكن التستّرعليها تؤكد بما لايدع مجالاً للشك على ترافق وجود هذه المجموعات المتطرفة التكفيرية بالتزامن مع الغزو الأمريكي للعراق الذي كان حريصاً منذ اللحظة الأولى على تدمير مرتكزات الدولة الأساسية ومقدراتها وجعله مُستباحاً أمام عصابات الجريمة لعمليات السلب والنهب حقائق شاهدها المواطن العراقي بأم عينه حين دخلت قوات الغزو مدينة بغداد كيف رافقته العصابات الإجرامية مباشرة خلف الأرتال العسكرية لايعلم كائناً من كان من أين جاؤوا بها ، وحري بالذكر أن باكورة قرارات الحاكم العسكري الأمريكي "بول بريمر " حل مؤسسة الجيش العراقي العريقة ، حيث كان المجتمع العراقي نظيفاً خاليأً تماماً من كل أفات الإرهاب والجريمة والإتجار بالمخدرات وكذا الأمراض التقليدية باعتراف منظمة الصحة العالمية ، والأمر ذاته ينطبق على ليبيا التي لم تحتضن أراضيها في الماضي لأيٍ من المجموعات المتطرفة التي استُجلبت من كافة بقاع الأرض بمن فيهم بعض المتهمين البارزين بقضايا الإرهاب الدولي الذين كانوا يقبعون في السجون الأوروبية ثم أطلق سراحهم وأضحوا من قادة بعض هذه التشكيلات المسلحة وفيما بعد جزء من نظام الفوضى إذ يتجاوز عددها اليوم المئات بل وصل الرقم إلى ألف وخمسمائة وفق تقديرات مراكز البحوث الأمنية وذوي الإختصاص وتتلقى هذه المجموعات والتشكيلات المسلحة الدعم المالي والتسليحي الإقليمي والعربي وأجهزة الإستخبارات العالمية ، نموذجاً يعبُر عن ملامح المرحلة المقبلة أرادته الإدارة الأمريكية وحليفتها الإستراتيجية للمنطقة العربية برمُتها لإسقاط دولها دولة بعد أخرى دون أن تستثني أحداً منها .
تتوالى اليوم الدعوات من كل حدب وصوب تتمحور بين تشكيل تحالف دولي بالرغم من وجود تحالف دعت إلية الإدارة الأمريكية انضمّت إليه العديد من الدول ، لكنه يقتصر على توجيه الضربات الجوية المتفرقة لأوكار المجموعات التكفيرية الأمر الذي جعل جدواها محدوداً باعتراف قوى التحالف نفسها كما تحتاج حربها إلى فترة طويلة أكثرها تفاؤلاً يقدّرها بخمس سنوات في حال مشاركة بعض الدول المُستهدفة بقواتها البرية التي تخضع أيضاً إلى إعادة تأهيل وتسليح للقضاء على جذور الإرهاب كما تقول دوائر صنع القرار ، دون الإجابة عن التساؤلات حول الخسائر البشرية الهائلة بين صفوف المدنيين العزل وما يترتب عليها من نتائج كارثية تؤدي إلى تشريد ولجوء ملايين المواطنين إلى العراء أو يبتلعهم البحر وتدمير ممتلكاتهم والبنى التحتية المُستهدفة ، وبين فكرة تشكيل قوة عربية موحدة لمكافحة الإرهاب في المنطقة مايطرح تساؤلاً بديهياً "ربما يكون من باب الطرفة"هل ستكون هذه القوة المشار إليها نواة التصدي لإرهاب الأحتلال الإسرائيلي كونه يمس أقدس مقدساتهم إضافة لمهماتها الأخرى ؟؟ .
صخب كبير مؤتمرات واجتماعات مكررة لايختلف بينها شيء سوى المكان ورحلات الإنفاق المالي الباذخ رؤساء أركان الجيوش ، ولقاءات اقليمية ودولية وغيرها الكثير سرية وعلنية تغرق في بحر تشخيص جذور هذه الظاهرة قال عنها الرئيس أوباما أمام مؤتمر مكافحة الإرهاب في واشنطن حضره ممثلي ستون دولة إنها مظالم اقتصادية وانعدام الفرص ورفض المواطنة لهولاء القادمين إلى أوروبا للبحث عن حياة كريمة بعد أن فقدوا الأمل في بلدانهم ، أما المظلمة السياسية فعزى الأسباب إلى تهميش بعض الدول لمكونات سياسية على أساس عرقي أوطائفي وبالتالي الإحساس بالظلم ، لكنه كما الأخرين تجنب خوض الحديث في جوهرالموضوع الأساسي عن مظلمة الشعب الفلسطي التاريخية وعن إرهاب الإحتلال وعدوانه المستمرمنذ مايقارب سبع عقود وفرض العقوبات الجماعية عليه ، إن البحث عن استراتيجيات للقضاء على الإرهاب يتطلب الجرأة على قول الحقيقة ذات الصلة بالأخطاء والخطايا التي جاءت نتيجة طبيعية لممارسات وفشل سياسة الولايات المتحدة التي تقود النظام الدولي بعد تدخلها في أفغانستان والعراق وليبيا وفلسطين والمنطقة عموماً أما المعالجات السطحية غير الناجعة إنما تنـّم عن حالة الإرباك والضياع ، كلام كثير لايساوي قطرة دمٍ تراق وأفعال قليلة ذلك ماسيتمخض عنه اجتماعات الصور التذكارية ، أما حروب الوكالة والصراع الدامي على أرض الأخرين الذي لايخدم سوى الأهداف الإستعمارية القديمة المتجددة لايبدوا نهايته قريبة على المدى المنظور ، قبل استكمال مشروع التقسيم والتفتيت للمنطقة لأنهم أنفسهم من أوجد جذور الإرهاب وأدواتها وليسوا معنيين بالنتائج الكارثية أو عذابات الضحايا الذين يدفعون الثمن وحدهم .
بقلم/ محمد السودي