الطيران المصري يقصف غزة، هذا العنوان المرعب لا يمكن أن يتصدر نشرات الأخبار بأي حال من الأحوال، وذلك لأن مضمونه يعكس خللاً استراتيجياً في الوعي الإنساني، ويؤكد أن هنالك ورماً سرطانياً يهودياً يشوه خلايا الدم العربي، واستعصى على العلاج، وهو يرى خلايا الدم الواحد تنقض على بعضها تفتك وتهدم، وهذه إحدى علامات الساعة.
المواطن المصري البريء الطاهر المنتمي لدينه وعروبته لن يصدق هذا الخبر، وسيتشكك في مصداقيته، وسيسأل نفسه من الفجر حتى الغسق، لماذا يقصف الطيران المصري سكان غزة؟ وماذا سيقصف في مخيمات غزة؟ وهل أبقى الطيران الإسرائيلي مكاناً في غزة لم يقصفه، كي تأتي الطائرات المصرية لتجهز عليه؟ أم أن الطائرات المصرية ستقوم بقصف الأهداف ذاتها التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية؟
إن فكرة قصف الطيران المصري لسكان غزة هي فكرة سخيفة، ولا يطبل لها ويزمر إلا مجنون، ولا يصدقها إلا مخبول، ولا يضحك لها إلا منكود، ولا يشجع عليها إلا من امتلأت جيوبه من أموال اليهود، إن فكرة قصف الطيران المصري لغزة لا تدخل من خرم إبرة الواقع الذي لا يسمح لجيش مصر بأن يكون شريكاً للجيش الصهيوني، أو معاوناً له، أو تابعاً له، فالشعب المصري المتسامح لا يقبل أن ينسق طيران بلاده مساراته مع طيران العدو الإسرائيلي، وهذا ما لا يرضاه الجيش المصري لنفسه.
أؤكد لكم أن الطيران المصري لن يقصف غزة، وكل وسائل الإعلام التي تروج لهذه الأخبار قد فقدت مصداقيتها، وذلك لأن قصف غزة لن يدمر المقاومة، والطيران المصري لن يكون أكثر وحشية وبطشا وعنفا ًمن الطيران الإسرائيلي الذي فشل في اخضاع المقاومة، وما عجزت عنه تحقيقه القوة الإسرائيلية الغاصبة لن تحققه القوة المصرية الشقيقة.
إن قصف سكان غزة لن يكسب الجيش المصري أي مجد أو نصر أو لحظة فرح بإنجاز مهمة قتالية، يتفاخر معها أي قائد عسكري مصري أمام زوجته وابنته وجيرانه، وسيظل قصف سكان غزة اللعنة تطارد من يرتكبها كل العمر، إنها العار، وهذا ما لا يقبله الجيش المصري على تاريخه العريق في ملاقاة جيش الصهاينة.
أما غزة المصلوبة على النخوة العربية، والمتهدجة ليلاً على أسلاك الحرية، فإنها تقول: شلت يميني لو رفعت سلاحاً في وجه جيش مصر، وتكسرت همتي لو أبدت عزيمتها ضد جيش العرب، إن غزة المصلوبة على وجع المواجهة مع العدو الإسرائيلي تعشق مصر، ولا يفكر مقاوم فلسطيني أن يلتقي في الميدان مع أخيه وابن عمه الجندي المصري، إذ كيف يجرؤ الأخ على قتل أخيه؟ وهل يقدر الابن على طعن أبيه، وكيف يهون على الأم أن تدمر قدرة أولادها.
أما الإعلام المشبوه الذي يحرض على غزة، ويبشر المصريين بقدره جيشهم على قصف سكانها، وتدمير بعض الأبراج على رؤوس أصحابها، هذا الإعلام لا يخيف غزة بمقدار ما يهين الشعب المصري، ويستخف بقدرات جيشه، ويطعن تاريخ مصر في الظهر، لأنه لا يرى بالجيش المصري إلا مجموعة من المرتزقة، وقاطعي الطرق الذي يأتمرون بأمر المخابرات الإسرائيلية، والمكلفين من وزير الحرب الصهيوني لاستكمال المهمة التي عجز عن تحقيقيها في غزة، هذا الإعلام المشبوه لما يزل يجهل أن مصر أكبر من التهريج الإعلامي، وأن حذاء الجيش المصري أطهر من ألسنة بعض الإعلاميين الساقطين في فخ المخابرات إسرائيلية.