في ذكرى الوحدة السورية – المصرية وحدة العرب هي الأصل والقاعدة

بقلم: نعيم إبراهيم

من نافل القول إن تجربة الوحدة بين سورية و مصر و إعلان "الجمهورية العربية المتحدة" أشبعت توثيقا و تحليلا على الصعد كافة ، خاصة من قبل الذين عاصروها و عايشوا تداعياتها .
هي تجربة في كل الأحوال . صحيح أنهم أفشلوها في مهدها ، لكنها تبقى مثلا يحتذى للأجيال ،يدلل على إمكانية تحقيق لم شمل العرب . كما أن التكامل العربي طموح واقعي وممكن تحقيقه، إذا توافرت لدى أبناء الأمة الإرادة في الوحدة و الإدراك الواعي بضرورة التكامل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
لا شك أن الواقع العربي اليوم مأساوي بفعل "الفوضى الخلاقة " و "الربيع العربي" و أن النتائج يحصدها العرب من دمائهم و بناهم التحتية و مقدراتهم و ثرواتهم و مستقبل أبنائهم ووطنهم العربي الكبير الذي يتعرض لتشظية المشظى و قتل الآمال .غير أن توسع دائرة فعل المقاومة العربية الراهن ضد الأحلاف المعادية و أدواتها في الداخل العربي ، يعطي أملا جديدا باستكمال خطوات المشروع القومي العربي التي تم إجهاضها قسرا من قبل المتضررين من كلمة سواء عربية خالصة .
مع فك المقاومة ، لقواعد الاشتباك ، ينبغي بالضرورة فتح جبهات المواجهة كافة مع العدو الصهيوني و إشعالها في إطار حرب الشعب ضد الاحتلال واستنزافه في كل المجالات .ومن يصر على إبقائها مغلقة إنما يؤكد عدم ولائه للوطن العربي الكبير و للأمة العربية الواحدة ، و بالتالي هو يساهم في مشروع تفتيت هذا الوطن و الإصرار على إركاع العرب و منعهم من تحقيق وحدتهم المنشودة .
في ذكرى الوحدة السورية – المصرية يجب إعلاء الصوت العربي و إسماعه للمجتمع الدولي بكل مكوناته و قبل ذلك للعدو الصهيوني و حلفائه و أدواته بالرفض المطلق لما يجري اليوم من محاولات ترسيخ الطائفية و الاثنية وابتزاز العرب أكثر، ضمانا للوجود الدائم للكيان الصهيوني . و هنا نحيل المواطن العربي أينما كان إلى قول بن غوريون أول رئيس وزراء صهيوني بأن “عظمة إسرائيل ليس في قنبلتها الذرية ولا ترسانتها المسلحة لكنها تكمن في انهيار ثلاث دول هي مصر والعراق وسورية” ، و هذا ما يسعى حلف الصهاينة لتحقيقه اليوم حيث قسم العراق ودمر مؤسساته و بناه التحتية و مقدراته و يحاول إشعال حرب أهلية في مصر و تقسيمها إلى دويلات و كذلك سورية التي تعصف بها حرب إرهابية شعواء تستهدف تدميرها بالكامل . و هذا الأمر ينسحب على الدول العربية الأخرى واحدة تلو الأخرى رغم توهم كثيرين من أن هذا المشروع لن يطالهم .
تجربة الوحدة أمامنا اليوم و إذا أردنا طوقا للنجاة فعلينا أن نحتسبها خطوة رائدة يمكن أن نستلهم منها الدروس و العبر و نعيد إنتاجها اليوم وغدا و في كل حين . فنحن و الحمد لله خير امة أخرجت للناس ، يجمعها التاريخ و الألفة و اللغة و الدين و المصير الواحد ، وتمتلك عناصر الوحدة الجغرافية و الاقتصادية القائمة على معيار المصالح المشتركة المتكاملة و المستقبل الواحد. و تمتلك الوِحدة الفكرية و الثقافية و الاجتماعية القائمة على معيارِ العروبة كلغة و انتماء و ثقافة و تاريخ .
الأمة العربية تعيش اليوم في عالم لا مكان فيه للكيانات الصغيرة أو الضعيفة و المشتتة . انه عصر التكتلات الكبرى ، وعلى هذا الأساس، تعتبر سورية ومصر أكثر البلدان العربية أهلية لقيادة العرب، فهما اللتان احتضنتا العروبة، ونبت في أرضهما لسانها، وتفتقت فيها حضارتها وآدابها، فكل أمال العرب بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة، معلقة عليهما لقيادتهم و لم شتاتهم ، و منهما انطلقت أول تجربة للوحدة العربية في العصر الحديث .
إن كسب مصر لسورية ، و كسب سورية لمصر هو كسب لكل العرب و سورية و مصر زعيمتان طبيعيتان للقومية العربية ، و للمقاومة العربية و لحركات التحرر العربية و الأجنبية الصديقة . و دائما كانت قضية الوحدة العربية بالنسبة لدمشق و القاهرة ميدان سلاح و حرب، وميدانا لإعمال العقل والفكر، وستبقى إلى أن يتحقق النصر المنشود في ظل قادة يتحلون بالإرادة والعزيمة اللازمين لذلك . و قد أكد أحدهم أن وحدة العرب هي الأصل والقاعدة وما سواهما شذوذ وانحراف .
إن النفوس ما زالت عامرة بفكرة الوحدة العربية رغم انقسام كثير من الأفراد العرب على أنفسهم جراء قساوة ما تتعرض له الأمة العربية راهنا من إرهاب ميليشيات متطرفة، ديدنه القتل و التدمير و التشريد و سرقة أوطان و مقدرات شعوب و أمم برعاية تامة من الإرهاب الصهيوني – الأمريكي - الغربي - الرجعي .و لذلك لم تعد الوحدة العربية مجرد انطباع وجداني، وإنما هي آخذة في الترسخ في الوعي العربي. ولولا يقين أهل الغرب بهذه النتيجة، لما قاموا بكل تلك الحملات المرعبة حول التمزق والتفتت .
بعيدا عن دغدغة المشاعر و العواطف ، لا يمكن أن يموت الإنسان العربي كما يراد له ، لأنه ما كل و لا مل ينافح عن وجوده بكل ما يملك من إيمان و إرادة و إصرار على استرجاع حقوقه المغتصبة كاملة غير منقوصة و هو لا يساوم و لا يركع و لا يستسلم . ولأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها فانه لا يتنازل عن حقه في المقاومة ، تحديدا المسلحة منها التي هي منطلق تحرير الأرض و الإنسان و انجاز الوحدة الشاملة .
بقلم/ نعيم إبراهيم