انخفاض الشيقل وتأثيره على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية!!

بقلم: حسن عطا الرضيع

لا زالت السياسة النقدية الإسرائيلية أكثر مرونة واستقراراً وتحوطاً من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وتحديداً بعد العام 2008م, حيث استطاع الاقتصاد الإسرائيلي تجاوز عقبات الأزمة الاقتصادية العالمية وتحقيق معدلات نمو بلغت 3.3% في سنوات ما بعد الأزمة, ورافق ذلك ارتفاع نصيب الفرد من الدخل والذي بلغ عام 2013 قرابة 34770 دولار, وكذلك تدني نسبة البطالة وبقاءها دون 6% , ويعود الفضل في ذلك لسياسات ستانلي فيشر محافظ البنك المركزي الإسرائيلي الذي يُعتبر أفضل محافظ للبنوك المركزية بالعالم جمعاء, ويعتبر الشخص الذي أنقذ الاقتصاد الإسرائيلي وأخرجه من دائرة الأزمات الاقتصادية العالمية, وعلى الرغم من التذبذبات في سعر صرف الشيقل مقابل الدولار, إلا أنه استطاع التوازن وتحقيق مزيداً من الاستقرار, وعليه فإنه وفي ظل تراجع النمو الاقتصادي في إسرائيل وببطء فكان قرار البنك المركزي الإسرائيلي بخفض معدل الفائدة بحدود 0.15% و بلوغه 0.10% وهي من أقل النسب عالمياً وتحديداً الأمريكية والأوروبية والتي خفضت معدلات الفائدة منذ نهاية العام 2008م واقترابها من الصفر بالمائة, هذه السياسة التوسعية في السياسة النقدية تهدف لزيادة الطلب الكلي وتحفيز النمو الاقتصادي, وعلى الرغم من ذلك ما زال يعاني الاقتصاد العالمي من مشكلة رئيسية ترهق النظام الاقتصادي وهي فيض الإنتاج وتراجع حجم الطلب الكلي حيث انخفض الطلب الأمريكي سنوياً بحوالي 3 تريليون دولار, مما يعني وجود اختلال بنيوي في الاقتصاد العالمي, والذي يتطلب ليس فقط إتباع سياسة نقدية توسعية, وإنما وجود تناغم بينها وبين السياسة المالية وتحديداً زيادة الإنفاق الحكومي وإعطاء دوراً أكبر للقطاع العام والذي باستطاعته زيادة الطلب العام ورفع معدلات النمو الاقتصادية وتقليص حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وهذا ما أصبح ينادي به كثير من الاقتصاديين والداعين للعودة للسياسات الكينزية التي أنقدت الاقتصاد العالمي لثلاثين عام وهي الأفضل في القرن العشرين والتي حافظت على معدلات معقولة من النمو والتضخم , أما بخصوص خفض البنك المركزي الإسرائيلي لسعر الفائدة فإنه يهدف إلى تنشيط الأسواق والخروج من حالة الركود الذي يسير ببطء وهذه سياسة مُجدية في الاقتصاد الإسرائيلي إذ رافقها وجود سياسة مالية توسعية تستطيع إحداث توازن في السوق بحيث لا ينعكس هذا القرار على مستويات الأسعار والتي ستنعكس على فئات واسعة من الإسرائيليين وتحديداً أن ثلث الإسرائيليين يعانوا من الفقر النسبي وتحديداً الطبقات المتوسطة, أما تأثير ذلك على الاقتصاد الفلسطيني, فإن خفض معدل الفائدة سينجم عنه انخفاض الشيقل مقابل الدولار , ولهذا مخاطر على الاقتصاد الفلسطيني والذي يشكل الاستيراد فيه أعلى نسبة كبيرة من التجارة الخارجية مع العالم الخارجي وتحديداً مع إسرائيل فوفقاً للعام 2013م فإن الصادرات الفلسطينية بلغت 840 مليون دولار
وشكلت الصادرات إلى إسرائيل 82% من مجمل الصادرات الفلسطينية, أما الواردات من إسرائيل فقد بلغت 4580 مليون دولار وبلغت قيمة الواردات من إسرائيل 71% من مجمل الواردات , وتؤكد تلك الأرقام على ارتفاع حجم الاستهلاك بالأراضي الفلسطينية وارتباطها بدرجة كبيرة بالسوق الإسرائيلي , وبالتالي فإن ارتفاع الدولار أو خفض الشيقل يعني ارتفاع الأسعار في السوق الفلسطيني ولذلك أثار سلبية على الاقتصاد الفلسطيني وينجم عنه تدني مستويات المعيشة بسبب أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين يعتبروا من الطبقة الفقيرة والمتوسطة وأن نسبة كبيرة من الواردات هي سلع أساسية وغير أساسية وبالتالي يتحمل جُل الفلسطينيين أعباء فاتورة ارتفاع الأسعار في إسرائيل, وفي جانب أخر فهناك فئات أكثر استفادة من انخفاض الشيقل وهما فئة كبار المستوردين والمصدرين وكذلك أصحاب التحويلات الخارجية بالدولار, وأصحاب الدخول المتغيرة وبعض الأنشطة التي تعتمد على الدولار كتجار الأراضي والعقارات ومجالات السياحة والفندقة وغيرها, وبالتالي فإن مستويات الأسعار في الأراضي الفلسطينية مُقبلة على الارتفاع في حال ارتفاع الدولار لأربعة شواقل أو أكثر بقليل , وفي حال استمرار تعافي الاقتصاد الأمريكي فسينجم عنه كذلك زيادة الطلب على الدولار كملاذ آمن وسينعكس ذلك بارتفاعه مقابل عملات أخرى ومنها الشيقل, وتسعى الدول غالباً إلى رفع الأجور والرواتب لكي لا تتأثر الشرائح المجتمعية , وهذا لا يحدث في السياسة الاقتصادية الفلسطينية التي لا تمتلك سياسة مستقلة تستطيع من خلالها إعادة الاستقرار والتوازن الاقتصادي .

بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي/ غزة