انعقاد منتدى العدالة لفلسطين الدولي نقطة تحول مهمة

بقلم: عباس الجمعة

رغم كارثية اللحظة وقساوة التحديات، شكل انعقاد منتدى العدالة لفلسطين الدولي نقطة تحول مهمة من خلال الحشد السياسي والحضور على المستوى العربي والاممي والفلسطيني واعطى خيط من الأمل، ليس من منطلق عاطفي، وإنما لاعادة القضية الفلسطينية الى مكانها الطبيعي للصراع، وأدرك المنتدى بأن مهما اشتدت المؤامرات الامبريالية والصهيونيه والرجعية فإنها تبقى مؤقتة وعابرة، فالشعوب في نهاية المطاف هي صاحبة الكلمة الفصل، وهي قادرة على أن تطلق أحلامها وآمالها مقاومة وصموداً ودفاعاً عن أهدافها ومصالحها مواجهة في ادوات الامبريالية من قوى ارهابيه متطرفة وسارقي الثروات وأبار النفط والذين أطاحوا بكل القيم الأخلاقية والإنسانية وبالشرعية الدولية، وحوّلوا العالم إلى غابة من الذئاب، واغتصبوا النساء وقتلوا الأطفال، وأكلوا الأكباد وحرقوا الناس وهم أحياء، وقطعوا رؤوس البشرتحت يافطة ديمقراطيتهم التي تعني الجريمة، واستلاب الدول، والارتماء في أحضان الدول الاستعمارية وإسرائيل التي حوّلها بعض الخونة إلى صديقة وحامية لهم.
ان ما تتعرض له المنطقة من هجمة شرسة تقودها الصهيونية العالمية لضرب قوى المقاومة وزعزعة الاستقرار في المنطقة ككل واستهداف جوهر القضية الفلسطينية، ممثلاً بحق العودة، من خلال بوابة المخيمات الفلسطينية في سورية، وعلى رأسها مخيم اليرموك وما آلت إليه عاصمة الشتات، حيث إن المخيم يرمز لحق العودة، وهو منبر ثقافي مهم، رغم رفض الجماعات المسلحة الخروج من المخيم من اجل الوصول الى حل أزمة المخيم، وهذا يتسبب في مأساة مخيم اليرموك، حتى يبقى رهينة بيد المجموعات التكفيرية التي لا تؤمن إلا بإلغاء الآخر وتحت مسميات وشعارات زائفة تلبية لمشروع صهيوأميركي من خلال خارطة للطريق بفوضى تسمى خلاقة .
فالشعوب اليوم بصمودها وتضحياتها ترفض ان تكون مجرد قبائل متناحرة، فهذه الامة كان لها مأثرة في قيادة العالم على مدار قرون متتالية، أمة عريقة ذات تراث ومنجزات إنسانية غطت كافة مجالات حقول العلم بلا استثناء، أمة عاشت قمة الازدهار في الوقت الذي كانت تغرق أوروبا فيه في ظلمات العصور الوسطى، أمة امتدت ثقافتها وتأثيرها من الصين إلى إسبانيا، إن لم نقل العالم أجمع، ولم يكن ذلك ليكون لولا امتلاكها مقومات هذا الدور، وهي بما تختزنه من إمكانيات بشرية واقتصادية واستراتيجية إنما هي مجبرة على مواجهة المخططات التي تستهدف وجودها اتصالاً بتطلعاتها المستقبلية.
ومن هنا نرى ان هناك كانت قراءة واضحة و نظرة جدية وعميقة للصراع ولمخططات وممارسات الكيان الصهيوني وسياساته تبين جوهر المشروع الصهيوني كمشروع استيطاني عنصري يستهدف الهيمنة السياسية والاقتصادية على فلسطين والأمة العربية وكل ذلك تحت مظلة عسكرية تستند إلى تفوقها المطلق سواء في الأسلحة التقليدية أو النووية، وبإسناد كامل من الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا المعنى يأخذ حل التناقض التناحري مفهوم حل الصراع على أساس التصفية السياسية للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والتاريخية وفرض الرضوخ والاستسلام على الأطراف العربية وإجبارها على التساوق مع المشروع المعادي والانزلاق فيه، غير أننا نعتقد، بالنظر إلى طبيعة التناقض التناحري ودوام الاشتباك مع العدو الصهيوني ، بعد فشل مسار المفاوضات العبثية التي استغلها الاحتلال لتحقيق نجاحات توسعية استعمارية، وبالرغم من كثافة الحملة الإعلامية، العالمية والعربية، والتي تحاول ترويج للعودة الى مسار المفاوضات على أنها "عملية سلام"، هذه الحملة والتي تجد لها صداً وتأثيراً على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، في الوقت الذي تثبت هذه حقائق التاريخ والواقع أن ما جرى في هذه المفاضات ليس سلاما حقيقيا، وهو اتى في ظل التغيرات الهائلة التي تعصف بالعالم وبالوضع العربي من اجل الوصول الى تسوية لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعة والتاريخية لشعبنا وأمتنا.
ان انضمام السلطة الفلسطينية لمحكمه الجنايات الدوليه لمحاكمة قادة الاحتلال الصهيوني على جرائم الحرب التي لاتحصى ولا تعد وهي غيض من فيض بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود من الزمن ، وكانت دوما تحظى بدعم وتغطية دوليه من الادارة الامريكيه وحلفائها بهدف حماية الكيان العنصري ، حيث اكد منتدى العدالة لفلسطين على محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني وقيادته وفي مقدمتهم أغتيال القادة الثلاثة في بيروت الشهداء أبو يوسف النجار والكمالين كمال ناصر وكمال عدوان، والشهيد غسان كنفاني و الشهيد ماجد أبو شرار، والشهيد سعد صايل و القائد فتحي الشقاقي و القائد المناضل أبو علي مصطفى والقائد ابو حسن سلامة والشهيد القائد ابو العباس الذي أغتيل في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق من خلال جريمة خسيسة وجبانة واغتيال القائد الشيخ أحمد ياسين، وهو يؤدي صلاة الفجر في غزة الباسلة، لان قادة الكيان لم يتورعوا عن ارتكاب أي جريمة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني والتي كان آخرها محرقة غزة حيث لا يكترثون بالقيم الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية ، وهذا يتطلب عدم المساومة على هذا الحق الفلسطيني المشروع ليس بمحاكمة مجرمي الحرب فحسب لابل حقه باستعادة ارضه ووطنه في فلسطين وحقه في العيش مثل بقية شعوب العالم على الكره الارضيه
إن ما نشهده الآن من حقائق ومآسي لحقت بالحركة الوطنية الفلسطينية والقضية الوطنية يتطلب وقفة جادة من المجلس المركزي الفلسطيني من اجل أعادة تصويب القضية نحو مسارها الصحيح من خلال التأكيد على ترابط العمل الوطني الفلسطيني مع العمل القومي العربي، والذي يعكس رؤية الصراع وموازين القوى وللبعد القومي كحاضنة للبعد الوطني وحشد أوسع إطار دولي لنصرة القضية الفلسطينية إلى جانب بعديها الفلسطيني والعربي، وذلك إدراكاً منها لحجم معسكر العدو وما يملكه من إمكانات، آخذين بعين الاعتبار حقائق الواقع الجديد وما برز منه من أشكال جديدة للعمل والفعل وخاصة بروز دور روسيا والصين ودول امريكا اللاتينية وانتصار اليسار اليوناني واعتراف اغلبية البرلمانات الدولية بدولة فلسطين ومخاطبة القوى الصديقة بالاستناد لقرارات الشرعية الدولية، بهدف استعادة فاعلية البعد الدولي المساند لقضيتنا في مواجهة حالة التفرد الأمريكي الذي ترسم ادارته المخططات على شعبنا وأمتنا.
ان خير دليل على ما نقول هو مدى الروابط وعمقها التي رأيناها من خلال منتدى العدالة لفلسطين ، ومدى هذا التفاعل واصالته بين الحضور من شخصيات واحزاب وقوى عربية وعالمية وبين فلسطين ، هذه الحقيقة الثابتة على ان المسيرة مستمرة بمقاومة شعبيه قوية، ونحن ندرك ادراكا كاملا، لجميع ابعاد الصراع في المنطقة، الصراع الحضاري ضد الوحش الصهيوني - الامريكي، لاننا نعي ان اسطورة الصمود والتحدي في مواجهة هذا الطاغوت الامبريالي - الصهيوني الذي يحاول ان يعلق المنطقة كلها في مخالبه وبين انيابه ،ومن هنا يمكننا ان نرى بكامل وعينا وادراكنا بأن ما يتعرض له شعبنا وامتنا بكل قسوته وهمجيته وصموده وتضحياته يتطلب ان نكون مستعدين دوما لمواجهة كل الظروف، وفي كل الاوقات.
وامام هذه الاوضاع ورغم الزيف والاوهام التي يحاول المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي العمل على تنفيذه في المنطقة، نقول بقدر هذا الصمود الرائع وبقدر هذا الائتلاف الواسع الذي نراه مع شعبنا وقضيتنا لاحقاق العداله ، وهو تجسيد لتلاحم ثوري خلاق، يرسم خطا واضحا بين فلسطين والشعوب العربيه وقواها الوطنيه والتقدمية والقومية واحرار العالم ليتعانق الاحرار والشرفاء جهودهم المتفجرة ينابيعها حماسا ثوريا فريدا لن تتوقف الا بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينه وتحقيق العدالة لشعب فلسطين في الحرية والاستقلال والعودة و ترتفع فوق القدس عاصمة الدولة الفلسطينة رايات امتنا عالية واحرار العالم خفاقة .
ان ما تتعرض له القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من مؤامرات هدفها النيل من حقوق الشعب ، الا ان شعب فلسطين يرسم التحدي في جذورها واسسها ويشق دربها الشهداء ، وصمود الاسرى الابطال والاسيرات الماجدات حيث يصنعون المعجزة مع التكامل الرائع في مسار مسيرة النضال الوطني ، مع جميع المناضلين في العالم بجبهة قوية متراصة لتصنع تراثا حيا ومتجددا للانسانية المعذبة، ولتضع حدا للاضطهاد والظلم وللاستعباد والاستعمار الذي ترزح تحت وطأته البشرية التي تقف اليوم متكاتفة متعاونة امام طغيان القوى الامبريالية والمؤامرات الصهيونية وجشع الاحتكارات العالمية.
وليكن واضحا ان لا حل، ولا سلام، ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته المركزية ، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي كرست شرعيتها العربية والدولية، وهذا يستدعي من تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية التي هي السلاح الامضى في مواجهة الاحتلال ، وهي الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات في مسيرتنا الثورية الشاقة، هذه الوحدة التي صنعتها الدماء الزكية المناضلة تتطلب مزيدا من العمل لانهاء الانقسام الكارثي ، حتى تبقى ايادي الشعب الفلسطيني قابضة على الجمر بقوة وقناعة وايمان.
إذن نحن أمام فرصة مهمة لمسنا فيها من خلال منتدى العدالة لفلسطين الدولي تجاوب واقتراحات ومداخلات وكلمات بحاجة الى المتابعة والاهتمام باعتبار ذلك هو في مصلحة وأهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، من خلال التفاف حول قوى الصمود والمقاومة، باعتبار ذلك هو طريق الحرية والاستقلال لتحقيق أهدافنا العادلة.
في ظل هذا الوضع يمكن إدراك طبيعة المشروع الأمريكي للتسوية في الشرق الأوسط باعتباره ترجمة خاصة لمفهوم النظام العالمي الجديد، ومفهوم الشرق أوسط الجديد، واقامة دولة اليهود في العالم على حساب حقوق الشعب الفلسطيني من خلال مزيد من النهب والتوسع وشراء أسهم الشركات وتصدير سلع تكنولوجية، اضافة الى التطبيع والعلاقات التجارية.
وفي ظل هذه الظروف نقول ان الأمر يقتضي منا بناء وتوحيد الجهود الفلسطينية والارتقاء بها للمستوى المهام والتحديات المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني،فالهجمة الان تستهدف تصفية المشروع الوطني ووأد قضيتنا للأبد،ولذلك بات ملحا ومطلوبا من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته القادمة رسم معالم استراتيجية وطنية جديدة، تتطلب التعامل مع القضية كقضية شعب قوامه أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني في الداخل وفي الشتات، دون تجاهل الأوضاع في غزة والضفة كرفع الحصار عن قطاع غزة واعادة اعماره، ومواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، وتوحيد الشعب واستقطاب التأييد العالمي واجبار الخصم على تقديم تنازلات، كون اليوم مناسب في رأينا للعودة لمشروع المقاومة بكافة اشكالها كخيار استراتيجي.
ونحن نقدر الجهود التي قام بها المناضل القومي الكبير الاستاذ معن بشور رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، وكذلك الاخت المناضلة رحاب مكحل التي تعطي كل جهودها لنجاح الملتقيات والمنتديات والمؤتمرات ، ولكافة الاخوة والاخوات في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن ، وللاستاذ محمد خواجه عضو المكتب السياسي لحركة امل ، ولسعادة سفير دولة فلسطين الاخ اشرف دبور على دوره واستضافته لاعضاء المنتدى للغداء في سفارة دولة فلسطين ببيروت ، والحملة الاهلية واللجنة الوطنية للدفاع عن الاسرى والمعتقلين ، وكافة الاخوة الذين ساهموا في انجاح المنتدى من احزاب وقوى وفصائل وشخصيات لبنانية وفلسطينية وعربية واممية لدورهم النضالي الوطني والقومي والاممي الذي يبذلونه وهم يعملون بكل مسؤولية وتفاني واخلاص لخدمة القضية المركزية للامة العربية والقضية الانسانية للعالم اجمع قضية فلسطين ، هذه المسيرة الصعبة والقاسية لا تنسى انها مع اخوانها المناضلين في امتنا العربية واحرار العالم وانها جزء لا يتجزأ من حركة التاريخ فيها ومنها، ولا تنسى اصدقاءها الاوفياء في الدول الاشتراكية الصديقة ودول عدم الانحياز والدول العربية والاسلامية الشقيقة وكل حركات التحرر العالمية، واننا جميعا نقف في خندق نضالي واحد.
ختاما : لا بد من القول، شعبنا بصموده وعطائه قابضا بيد من حديد على بندقيته لتظل مشرعة تحمي اغصان الزيتون في ربوعنا الحبيبة خضراء فلسطين يتفيأ بظلها جيل الغد من شعبنا وامتنا، واثقا من خطاه متأكدا من حتمية انتصار شعبه وثورته ومقاومته وتحقيق اهدافه الوطنيه المشروعه في العودة والحرية والاستقلال .

بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي