لم تعد الحاجة سميحة عوض الله تجلس كعادتها متكئة على عصاها أمام منزلها في مخيم جباليا ،ولم تعد سميحة تداعب اﻻطفال وترسم اﻻبتسامة على شفاههم بكلماتها الحانية وهم في طريقهم الى مدارسهم ،كما لم يعد المارة يأنسون بسؤالها كأم حنون عن احوالهم واحوال أبناءهم الذين ربما تكون هي من ساعد أمهاتهم على اﻻنجاب حين تأتيهن ساعات المخاض وهي تعمل دون كلل كقابلة (داية ) ربما ساعدت غالبية ليس فقط نساء المخيم بل حيثما عملت على وﻻدة اطفالهن ،وهكذا أيضا ستغيب أم أحمد عن ازقة المخيم وسوقه الشعبي وسيفتقدها اهالي المخيم عموما والباعة المتجولين كافة سيفتقدون المرأة الحديدية العصامية الشجاعة التي لم يفلها تعب السنين ولم تنل من عضدها عثرات الزمن ، ستغيب شمس وجهها المدورة كقرص الشمس وهي ترسل شعاعها الذهبي في منتصف ايار . سيختفي الى اﻻبد وجهها القمري بعد ان سكن القلوب لأكثر من سبعة قرون وستتوقف رئتيها عن تنسم ريح عليل تهب من المسمية من حين ﻵخر تذكرها بحنين العودة لربوعها ، وهكذا ايضا سيخلو مقعدها من ذاك الركن الحيوي في عيادة ولديها وهي تستقبل مرضاهم بوجهها البشوش وابتسامتها التي لم تفارقها . سيفتقدها الجميع سيفتقدون كل جميل فيها بما في ذلك مشاكستها في بعض اﻻحيان ، واكثر من سيفتقدها هم أوﻻدها واحفادها وزوجاتهم اللواتي فقدناها كأم حرصت على رعاية احفادها. سيفتقدها كل اهالي المخيم وكل شعبنا بعد ان امتدت لها يد غدر لشخص طالما حنت عليه أطعمته بيدها واسكنته دارها وربما تكون قد ساعدت أمه على انجابه ساعة المخاض قبل 35عاما . هكذا كانت نهاية الحاجة أم احمد التي امتدت لها يوم اﻻربعاء الموافق 18/2/2015 يد قاتل مجرم استغل ثقة العائلة فتسلل الى غرفة في بيت العائلة الكبير بنية السرقة والقتل ﻻ محال ،ويبدو انه حاول انتزاع إعتراف منها حول مكان ما تخبئ فيه جنى العمر ففشل وتكسرت محاوﻻته الدنيئة على صخرة صمودها ولم تبح سميحة عن مكان المخبوء من جنى العمر فعمد على قتلها واخفاء جثتها تحت عزال تلك الغرفة طيلة ايام ستة قام المخيم ولم يقعد بحثا عنا الى ان أكتشفت جثتها بمحض الصدفة .... صمدت أم احمد ولم تعترف عن مكان المخبوء اﻻ لولديها وكأنها تتوقع الغدر او حتمية القدر صمدت ولم ينتزع القاتل منها اعترافا عن مكان جنى العمر وهي تعرف ان ما تتركه هو حق ﻻوﻻدها واحفادها من بعدها ، فشل المجرم تماما كما فشل اﻻحتلال طيلة سبع سنوات من السجن والتعذيب في انتزاع اي كلمة او اعتراف من زوجها الرفيق عمر عوض الله عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني عن رفاقه وهو يقود الجناح المسلح للحزب والجبهة الوطنية المتحدة في مطلع السبعينات الى ان استشهد شامخا صامدا في سجن عسقلان في يناير عام 1975. صمدت ام أحمد وهي التي تربت في كنف عائلة المقيد المناضلة لتصون كرامة العائلة وتراثها الوطني مع عائلة عوض الله التي تسير على درب العزة والكرامة والعطاء . صمدت بعد ان عركتها الحياة وهي تتنقل من وكر الى وكر تتفقد فدائيو الحزب والجبهة الوطنية مطلع السبعينات تنقل لهم ما تيسر من طعام ومعلومات عن المحتل .. صمدت وهي تزور زوجها من معتقل الى اخر تشد من أزره وتستمد عزيمتها من صموده الى ان استشهد في سجن عسقلان ، فاصرت الحاجة ام أحمد على مواصلة الطريق فربت بكدها وعرقها نجليها احمد وجيفارا وسهرت على رعايتهما وما ان حصلا على الثانوية العامة حتى وفر لهما الحزب منح دراسية لاستكمال دراستهما في روسيا كيف ﻻ وهو الحزب الذي كان لابوهم دورا مهما في تاريخه المشرف .. فعاد الشابان طبيبين كما ارادت سميحة وارد عمر ورغب الحزب والشعب .. سميحة هذه تعبت وشقت صانت زوجها في حياته واستشهاده سارت على دربه في الصلابة والعصامية عملت بكل جهد لبناء اسرة مناضلة كما خططا هي ورفيقنا القائد عمر ذات يوم فكان لهما ما اردا وها هما احمد وعمر طبيبين يحترمهما الجميع وها هي الحاجة سميحة تجمع في مماتها الغادر ليس فقط أهالي المسمية ومخيم جباليا بل كل أبناء الشعب الذين يهتفون بمليء فيهم إنها نهاية مرأة شجاعة ﻻ تستحق ان تموت هكذا لكنها يد الغدر التي امتدت لمن حنت عليه فغدرت .. أم احمد وداعا لكي نقول نحن أبناء ورفاق عمر عوض الله قائدنا الذي به نفخر ،نعدك ونعد ابناءك وذويك ان نتابع جريمة قتلك النكراء بكل جدية حتى ينال المجرم جزاه بإنزال اقسى العقوبات .. وداعا ام احمد أيتها اﻻم التي تشرفت بمعرفتها ذات يوم ورحلت تاركة في القلب غصة وفي العين دمعة ﻻ تجف.
*بقلم : وليد العوض
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
2015/ 27/2/[email protected]