تأتي زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لإيران تتويجاً لمباحثات قد تم إجرائها بين الطرفين عبر لقاءات تمت خارج إيران، ويعتقد أنها تمت في لبنان بوساطة حزب الله. فمن المعروف أن العلاقات بين حركة حماس وإيران قد توترت في السنوات الأخيرة بسبب موقف حركة حماس من الثورة السورية حيث وقفت الحركة إلى جانب الثورة، وابتعدت عن نظام بشار الأسد الذي كان الحاضن لها لسنوات عديدة سبقت الثورة السورية في مارس 2011م. حيث قال السيد خالد في أكثر من تصريح أنه حركة حماس اختارت الوقوف إلى جانب الشعب السوري بالرغم من الخسائر التي ستلحق بها بسبب هذه الموقف كون العلاقة مع النظام السوري كانت قوية ومميزة. ومن هنا فيبدو أن حركة حماس في هذه الموقف قد اختارت السير في مشاريعها الإسلامية تقاطعاً مع حركة الإخوان المسلمين فغلبت ما هو إسلامي على ما هو وطني كون النظام السوري كان داعماً لها لأسباب وطنية وقومية وليس لأسباب دينية. فقد احتفظت حركة حماس بعلاقات قوية مع النظام السوري الذي جعل سوريا مقراً لقيادتها في الخارج، ودعمها سياسيا وعسكريا في مجال العتاد والتدريب في الوقت الذي كان النظام يلاحق بلا هوادة المعارضة الإخوانية السورية في الداخل والخارج. وتغاضى النظام السوري آنذاك عن كون حماس تشكل الجناح الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين، وقفز عن ذلك تحت ذريعة أن حركة حماس تتزعم تيار المقاومة الرافض لتيار المفاوضات، وبالتالي تقاطعت المصالح الحمساوية السورية بشأن المقاومة ورفض المفاوضات، وطغى ذلك كما قلنا على الاعتبارات الأخرى. ولكن حركة حماس التي راهنت مع ثورات الربيع العربي على صعود الإسلام السياسي المتمثل في حركة الإخوان المسلمين التى شاركت في الثورة المصرية ووصلت إلى سدة الحكم، كما شاركت في الثورة التونسية وأصبحت شريك رئيس في الحكم، هذا إضافة إلى مشاركة حركة الإخوان المسلمين الليبية في الحكم بعد سقوط القذافي، وبالتالي داعب خيال حركة حماس صعود المشروع الإسلامي للإخوان المسلمين برضا الولايات المتحدة الأمريكية التي تقاطعت مصالحها مع الإسلام السياسي المعتدل السني في مواجهة المعسكر الشيعي ضمن سعي الولايات المتحدة لحشد المنطقة وتعبئتها للصراع ضمن الإطار المذهبي الطائفي الذي يتناسب مع رؤية برنار لويس حول تقسيم العالم العربي إلى 63 كنتون سياسي مقام على أسس طائفية وقومية وهو ما يطلق عليه اصطلاح " سايكس بيكو جديدة).
ولذلك شهدت العلاقات الحمساوية المصرية الإخوانية تقارباً على حساب تراجع العلاقات الحمساوية مع إيران والنظام السوري وحزب الله. ومما زاد الأمور تباعداً مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري في منطقة القصير ومناطق أخرى مما دفع الوجدان الشعبي العربي إلى الانقلاب على حزب الله شعبياً بعد أن شكل حزب الله منذ 2000م مركز حشد في الوجدان الشعبي بحيث طغى السيد حسن نصرالله سنة 2007م شعبياً على كل الزعامات العربية في الوجدان الشعبي العربي كزعيم. ولكن حدثت هناك متغيرات ساهمت في إعادة النقاش والحراك داخل حركة حماس لإعادة ترتيب أوراقها وتحالفاتها في المنطقة ومنها:
- سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وسيطرة العسكر في مصر على الحكم واتباعهما سياسية أمنية ضد حركة الإخوان المسلمين في محاولة لإقصائها عن المشهد السياسي في مصر، وبذلك سقط حليف قوي لحركة حماس ممثل في الرئيس مرسي والإخوان المسلمين، وتم استبدال ذلك بنظام عسكري يرى في حركة حماس عدوا كونها جزء من الإخوان المسلمين. ولا يزال القضاء والإعلام المصري يشن هجوما عاصفاً على حركة حماس وجناحها العسكري " كتائب عز الدين القسام".وكان أخر ما تم من ملاحقة قضائية قد تم اليوم من خلال اعتبار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة أن حركة حماس حركة إرهابية حيث يشكل ذلك تصعيدا خطيرا في الموقف المصري تجاه الحركة.
- العدوان الإسرائيلي الأخير في صيف 2014م ضد حماس في غزة، والذي كان عدواناً شرساً من الجانب الصهيوني. وقد صمدت فيه حركة حماس مع باقي الفصائل الفلسطينية لوحدها. فيما ظهر الصمت أو التواطؤ العربي واضحاً لاسيما مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والتي أطلق عليهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهو " الحلفاء الجدد". وقد أدى الأداء القتالي الفعال في الميدان من قبل كتائب عز الدين القسام إلى علو صوت الكتائب بحيث أصبح صوتها يطغى على صوت القيادة السياسية. حيث شاهدنا في الفترة السابقة غياب الحضور السياسي والإعلامي للسيد خالد مشعل الذي قاد خلال السنوات السابقة تحالفات قد سقطت أمام المتغيرات في العالم العربي ولاسيما في مصر. ومن هنا تعالت أصوات التيار المعارض لسياسة السيد خالد مشعل داخل أروقة حركة حماس. وصعد التيار المتشدد داخل الحركة والتي يقف على رأسه الدكتور محمود الزهار، والسيد خليل الحية، والدكتور باسم نعيم وآخرين. وهذا التيار له تأثير قوي داخل كتائب عز الدين القسام، وبالتالي قوي التيار المتشدد على حساب التيار المعتدل الذي يقوده السيد خالد مشعل. ويرى التيار المتشدد أنه في ظل العداء الذي يكنه النظام الجديد في مصر لحركة حماس، وفي ظل صمود نظام بشار الأسد في سوريا ضد المعارضة التي تفتت إلى أحزاب وجبهات متناحرة، وفي ظل وقوف حزب الله سياسيا وإعلاميا مع حركة حماس خلال العدوان الإسرائيلي الأخير واستعداده لتقديم الدعم العسكري والتدريب لحماس، وفي ظل جفاف منابع المساعدات لحركة حماس من مناطق عدة فإن التيار المتشدد داخل الحركة يرى بضرورة عودة التحالف مع محور إيران حزب الله ونظام بشار الأسد. ويرتكز التيار المتشدد على أن إيران وحزب الله لم يتخلوا علن النظام السوري وواصلوا دعمه مما أدى إلى صموده في مقابل عدم تلقي حركة حماس أي دعم عسكري أو سياسي أو حتى إعلامي مما شكلوا تقاطع في تحالفها السابق مثل المملكة العربية السعودية. وأن تأثير قطر وتركيا في العدوان الأخير على حماس في غزة لم يكن مؤثراً بالدرجة الكافية. حيث بدا واضحاً أن الدور المصري هو الدور الحاسم خلال العدوان الأخير على غزة. فمن سخرية الحدث أن ترفض إسرائيل التدخل الأمريكي ممثلاً في مبادرة جون كيري وزير الخارجية الأمريكية وتصر إسرائيل على الورقة المصرية. ورغم محاولة حماس اللعب على التأثير القطري والمصري عندما رفضت الورقة المصرية في الأسبوع الأول للحرب، ولكن تبين عدم قدرة قطر وتركيا على تحقيق اختراق في الموقف الدولي، وبقي المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يدور في فلك الورقة المصرية الناجمة عن توافق وتناغم بين الموقف المصري والإسرائيلي الذي يرفض إعطاء حركة حماس أي مكتسبات سياسية في هذه الحرب.
- إن عدم احتضان حركة حماس من قبل الدول العربية يدفع بها إلى فتح تحالفات جديدة مع قوى إقليمية سنية أو غير سنية، أو ترميم تحالفات قد تأثرت بالمتغيرات الأخيرة على اعتبار أن حركة حماس حركة تحرر وطني تبحث دوما عن حشد أنصار لها في معركتها ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ولا نريد التفصيل في أهداف إيران من تعزز العلاقة مع حركة حماس، حيث أن إيران أصبحت تشكل قوة إقليمية وإسلامية، وبالتالي تريد أن تعزز دورها بأوراق سياسية تعزز من قوتها ونفوذها وتأثيرها. وتعتبر القضية الفلسطينية قضية محورية في العالم العربي والإسلامي وتشكل حركة حماس منفذا مهما لإيران لاستثمار وتوظيف القضية الفلسطينية في علاقاتها. كما أن ذلك يجعلها تمسك بورقة مهمة تلوح بها لإسرائيل والغرب في ملفاتها الشائكة بخصوص الملف النووي وغيره. هذا إضافة إلى توظيف إيران لهذا الملف في علاقاتها مع الدول العربية أيضاً.
ومن هنا فإن ما يقوم به السيد خالد مشعل من إعادة العلاقات الإيرانية الحمساوية إلى سابق عهدها إنما يدخل هنا في مجال استجابته لضغوط التيار المتشدد دخل حركة حماس الذي يرغب بالعودة لهذه المحور (إيران وسوريا وحزب الله) الذي أثبت صموده وتماسكه أمام المتغيرات، وفشل خط التحالفات الذي قاده مشعل في السنوات الأخيرة مع مصر وغيرها. كما أن أداء كتائب القسام القوي في العدوان الأخير على غزة يجعل صوته أكثر قوة في صناعة القرار في أروقة حركة حماس مقابل التيار المعتدل. فكتائب القسام ترغب باستئناف الدعم المالي الإيراني لها بعد أن تم تجفيف العديد من ينابيع الدعم في الفترة الأخيرة سواء من قبل مصر أو دول الخليج. كما أن كتائب القسام بحاجة إلى تجديد ترسانتها العسكرية التي تم استنزافها في العدوان الصهيوني الأخير على غزة. ولذلك يمكن القول إن ترميم العلاقات الحمساوية الإيرانية لا يشكل متغيراً فقط في التجاذبات والتحالفات الحمساوية العربية والإقليمية بل يشكل متغير هام داخل حركة حماس بعودة الجناح المتشدد داخل الحركة لتصدر صنع القرار داخل الحركة. حيث أن خالد مشعل لا يهدف فقط لترميم التحالفات السابقة بل كما قلنا ترميم مركز صنع القرار داخل حركة حماس نفسها، وخلق التوازن بين أطرف صنع هذا القرار.
أ. د. خالد محمد صافي