استيقظنا صباح اليوم على وجع جديد،، وما هو أكثر وجعا من رحيل الأصدقاء والأقرباء للقلب، رحيل محزن، لقد رحلت الدكتورة الصيدلانية ختام طه "أم أحمد"، لقد كانت شعلة من النشاط والحيوية والعطاء، كانت تعتبر مصالح زملاءها الصيادلة معركتها المستمرة حتى يتم الاستحقاق لكل منهم، وكانت عادلة وفية قريبة من كل منهم، ولا تبخل بوقتها وجهدها في قضاء حوائجهم، لقد كانت سيدة العطاء الحقيقي، الإنسانة الرائعة في كل صفاتها.
وحين أصابها المرض، كانت قوية وصابرة، لا تشتكي أوجاعها، وأشهد الله العلي القدير أنها وفي شدة أوجاعها كانت هموم المهنة واستحقاقات زملائها لا تفارقها، وحتى قبل وقت قليل من اشتداد المرض وتفاقمه عليها، كانت تتابع كل دقائق أمورنا، ولا تتواني عن تقديم خدماتها واتصالاتها وتوظيف طاقتها وقدرتها من أجل التخفيف عنا، وإيجاد الحلول لمشاكلنا وتلبية مطالبنا، دون أن نشعر يوما منها بالتذمر أو الكسل أو التكاسل، بل كانت تسعد كثيرا بالتواصل معها ولا تترك أحداً عالقاً دون أن تطمئنه، ويشعر بصدق أن هناك إنسانة أمينة في موقعها وفي مهمتها اسمها الدكتورة ختام طه مدير عام الصيدلة في المحافظات الجنوبية بوزارة الصحة .
واليوم في صباح اليوم السبت الموافق 28 فبراير 2015 فارقت روحها جسدها، وفي نفس يوم ميلادها، وقد بلغت 55 عاماً، نعم لقد صُدمنا حين وصلنا الخبر المفجع، ولكنه قضاء الله وقدره، فلا باق إلا وجه الله الكريم، وكل من علينا فان، سنُة وحكم الله في خلقه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
لقد استطاعت المغفور لها بإذن الله أن تسجل للمرأة الفلسطينية حضورا صادقا ونديا ومؤثرا، ولم يكن دورها في المؤسسة الوظيفية فقط، بل كانت مبدعة ومترجمة للانتماء الحقيقي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" فشغلت موقع أمين سر المكتب الحركي المركزي للصيادلة في المحافظات الجنوبية، ولقد قدمت إنجازات نوعية في مهامها الحركية، ورسخت معنى القيادة الإدارية والحس الإنساني الصادق، لذا فسوف تبقى سيرتها عطرة وحية في قلوب الصيادلة وأهلها وأسرتها وكل من عرفها أو قدمت له خدمة أو فرجت عنه كُربة، وكيف لا وهي التي حملت على الدوام قلب طاهر وروح نقية.
الأخت والزميلة الدكتورة ختام طه، لها مآثر جمة، ولا يمكن أن أختزلها في مقال أو رثاء أو نعي، خصوصا أن كل هذه المآثر تصبُّ في متن تاريخ من العطاء والزمالة والقُرب لهذه الإنسانة الطيبة الباقية في ذاكرتنا، وان وقفت على مجال واحد، فلن أوفيها حقها، وكذلك هناك الكثيرين من الزملاء من شيدوا معها وأعادوا بناء الصرح الصيدلاني في وزارة الصحة بقطاع غزة خاصة وفي فلسطين عامة، وعند كل منهم ما يقوله وما يسجله وما نفتخر به دائما.
لقد كانت أول معرفتي بالدكتورة أم أحمد في المقابلة التي أجرتها وزارة الصحة لتوظيف الصيادلة في 2002 ويومها عرفت أنني أمام إنسانة وزميلة مثقفة وراقية ومتفهمة، وكان الأخ الكبير الدكتور زياد شعت "أبو سليمان" في نفس لجنة المقابلة، وكان آخر لقاء لنا معها يوم أن جاءت في مناسبة "معايدة " الصيادلة لبعضهم البعض في صالة ابوحصيرة غرب مدينة غزة، ويومها قدمها رفيق دربها الأخ الكبير لنا جميعا الدكتور زياد شعت، لتقول كلمة أمام الزملاء والزميلات، وكان واضحا عليها الإجهاد، وكانت كلماتها دافئة وصادقة ونابعة من القلب وقد لامست قلوب وعقول كل الحضور، وكان يوما جميلا لن ينسى.
ومساء اليوم حين حضرت الى منزلها في مدينة الزهراء، لتقديم واجب العزاء لأسرتها وأهلها والزملاء والخاطر واحد بكل تأكيد، كانت مشاعرنا مفعمة بالحزن وكان رحيلها يحتاج إلى نبرة أعلى شجنا من صوتنا، لننقل كلمات تعازينا، فكان كل شيء يختنق قبل أن يخرج، وكان الصمت سيد الموقف، لقد كان إحساس مؤلم، إحساس صادق أن كل من عَرفها لازال بحاجة أن تبقى بيننا، فلا زلنا بحاجة للإنسانة الإنسانة، ولكنه الرضا بقضاء الله وقدره، ورحمة لها واصطفاء ومغفرة واسعة إن شاء الله .
إن قلوبنا المكلومة بغيابها، والعيون التي بكتها، تدعو بان يغفر الله لها ويدخلها جنة الفردوس، وعزاؤنا لزوجها وابنيها وابنتيها وجميع أفراد أهلها وأسرتها ولكل الزملاء والزميلات، ونسال الله للجميع حسن العزاء والقبول من الله عزوجل.
وداعا أختنا وزميلتنا ومديرتنا الدكتورة ختام طه، لقد كانت خبر رحيلك صادما وتلقيناه ببالغ الأسى والحزن، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم/ د. مازن صافي