زيارة رئيس حكومة الاحتلال "نتنياهو" إلى الولايات المتحدة الأميركية، تلبية لدعوة رئيس مجلس النواب الأميركي لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، اثارت الكثير من الجدل بين الإدارة الأميركية والكونغرس، ليس فقط حول ما يتعلق بالجهة صاحبة الصلاحية لمثل هذه الدعوة، بل في توقيتها الذي يأتي قبل ايام قليلة من الانتخابات الاسرائيلية، وما لها من دلالة واضحة حول دعم الكونغرس الأميركي لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي يمثل له فرصة لدحض الادعاءات التي تتحدث عن توتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وفرصة أيضاً لإعادة التأكيد على رفضه للمقترح الأميركي فيما يتعلق بمعالجة ملف ايران النووي.
لا شك أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس يشكل تحدياً للإدارة الأميركية، ففي الوقت الذي تحدثت فيه واشنطن عن انفراج كبير في المحادثات المتعلقة بملف ايران النووي، الذي عرضت بمقتضاه القواعد الأساسية للاتفاق المحتمل، جاء إليها نتنياهو ليلقي بحجر رفضه في بحيرة القرار الأميركي، لم ينتظر الكونغرس خطاب نتنياهو من على منصته كي يعبر له عن دعمه، بل سارع لاتخاذ قرارات يلجم بها الادارة الأميركية فيما يتعلق بملف ايران النووي، حيث سن قانوناً يحظر بموجبه على الرئيس الأميركي "اوباما" تعليق أو إلغاء اي عقوبات على ايران أجازها الكونغرس، وألزمه في الوقت ذاته بمراجعة الكونغرس لأي اتفاق يمكن ان تتوصل إليه الإدارة الأميركية مع ايران.
لم يكن نتنياهو بحاجة إلى حفاوة في استقباله لدى وصوله مطار واشنطن، ولا إلى تصفيق حاد من أعضاء الكونغرس وهو يعتلي منصته، الحفاوة الأكثر أهمية بالنسبة له جاءت من قانون الكونغرس الأميركي المتعلق بملف ايران النووي، حيث سجل نتنياهو بذلك نجاحاً لزيارته قبل أن تبدأ، ناهيك عن المكاسب الجمة لهذه الزيارة التي سيجني ثمارها في الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل.
قد يرى البعض في الخلاف بين الإدارة الأميركية والكونغرس، فيما يتعلق بزيارة نتنياهو إلى الكونغرس، يأتي من باب تبادل الأدوار أكثر منه اختلافاً حول جوهر العلاقة بين البلدين، حيث أبدت الادارة الأميركية دعماً منقطع النظير لحكومة الاحتلال خلال فترة حكم اوباما، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا إن الدعم الذي حظيت به حكومة الاحتلال من الادارة الأميركية في السنوات الأخيرة يفوق بكثير ما تمتعت به في فترات رئاسية أميركية سابقة.
بغض النظر إن كانت فعلاً الإدارة الأميركية لا ترغب في رؤية نتنياهو رئيساً لحكومة إسرائيل المقبلة، أم أن ذلك مجرد أوهام يحاول أن يختلقها من ما زال يعول على الإدارة الأميركية في تغيير سياستها الخارجية، فالمؤكد أن بعض العرب أعجبهم دور المتفرج، ومن السذاجة أن نطالب الإدارة الأميركية بتغيير سياستها الخارجية، وبخاصة انحيازها المطلق لحكومة الاحتلال، طالما أن هناك من يقدم لأميركا كل ما تحتاجه دون أن نفكر للحظة واحدة بضرورة اخضاع العلاقات العربية الأميركية لقاعدة المصالح، لعل ذلك ما اختصرته سياسية أميركية في محاضرة لها في غزة قبل سنوات في معرض ردها عن سبب الانحياز الكامل الأميركي لإسرائيل، حين قالت إنه طالما يصل الحليب العربي مجانا إلى البيت الأميركي فلا تنتظروا من الإدارة الأميركية أن تعتني بما لديكم.
بقلم/ د.أسامة الفرا