في شريط فيديو جديد بثه تنظيم الدول الإسلامية "داعش"، ظهر العديد من "الدواعش" وهم يهوون بمعاولهم ومطارقهم على كل ما كان أمامهم في متحف الموصل الذي يعتبر احد أهم المتاحف بالعالم، والذي يحتوي على كنوز تاريخية لا تقدر بثمن.
الفعل "الداعشي" الجديد، كان بمثابة الصدمة التي وقعت على رأس كل من شاهده، حيث اظهر كم هو حجم الجهل والتخلف الذي يتمتع يه هؤلاء القوم، وكم هو حجم الإجرام وضيق الأفق لديهم، هذا عدا عن فهم قاصر للدين ساقوه في تبريرهم لفعلهم "الفاحش"، ودلل على حالة من التخلف والهمجية يصعب وصفها.
تدمير المتحف الموصلي، على الخلفية التي سيقت في الفيديو، لا يمكن فهمها، ولا قبولها، حيث ان هذه التماثيل كانت تشكل إرثا إنسانيا نادرا، وهي كانت موجودة عبر العصور، حيث مرت عليها حقب مختلفة من الخلافة الإسلامية، ابتداء من الراشدية مرورا بالأموية والعباسية إلى يومنا هذا، ولم يجرؤ ولم يأمر أي من الخلفاء ولا الولاة المسلمين، الذين كانوا اقرب إلى الإسلام وأعمق دينا من الدواعش، بهدمها أو تدميرها.
قول داعش ان هذه ليست سوى مجرد أصنام كانت معبودة من أقوام خلت، وإنها كانت تمثل آلهة لتلك الأقوام، يأتي في سياق التبرير غير المقنع للهمجية التي يمارسها هؤلاء، وإذا كان داعش يرغب بفعله مماهاة فعل الرسول حين حطم الأصنام حول الكعبة، فان هذا أيضا لا يشير إلى فهم ناضج لتلك التجربة، حيث تم تدمير تلك الأصنام، لأنها كانت في حينه تعتبر الآلهة التي يعبدها أهل مكة، وأما هذه التي في المتحف، فلا تمثل آلهة يعبدها أي كان في الوقت الحالي، وإنما تمثل آلهة لأقوام خلت، لم تعد موجودة، ولا تتم عبادتها وتقديم القرابين لها، وإنما هي موجودة كإرث أنساني، ليس إلا.
"الآلهة والأصنام" التي "ذبحت" في الموصل على الأيدي الآثمة، كانت تمثل حضارات غابرة، دلت على أقوام سكنت هذه المناطق، وعلمتنا ما كنا نجهل من تواريخ الأمم السابقة، كما كانت تشكل ميادين للدراسات والأبحاث التي استفاد وما زال منها العالم بأسره، ولولا وجودها واكتشافها، لما كنا نعلم عن الأمم السابقة ما نعلمه اليوم، ولكنا عشنا فترات "منقطعة" بين حضارات العالم، دون علم أو معرفة، ولا كان بإمكاننا ان نعلم كيف وبأي طريقة وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
الجريمة الجديدة التي ارتكبها داعش، كانت مقززة كما هي معظم أفعالهم، لا بل قد تكون احد اخطر وأسوأ الجرائم التي ترتكب على يد هذه العصابة الآثمة، ولم يضاهيها في الهمجية والتخلف سوى الجرائم المماثلة التي ارتكبها المغول، ذلك ان التدمير الذي يقوم به داعش لأي من المباني بغض النظر عن استعمالاتها، يمكن تعويضه، أما متحف الموصل فمن المستحيل تعويض إي قطعة فيه.
المعاول والمطارق ومناشير الكهرباء التي كانت تهوي على التماثيل والقطع الأثرية المختلفة، كانت في الواقع تهوي على حضارات عالمية قدمت قبل آلاف السنين أفضل ألف مرة مما قدم أو ما يمكن ان يقدم تنظيم الدولة "داعش" لبني الإنسان، وكان حريا بالقائمين على هذا التنظيم الفاحش ان يقفوا احتراما لتلك التماثيل، وان يحافظوا على هذا الإرث الإنساني، بدلا من ذبحه كما ذبحوا الأبرياء من الناس من مختلف الطوائف والمكونات والقوميات أينما حلوا.
1-3-2015