قبل أن يخوض المحللون السياسيون بالمواضيع التي سيناقشها المجلس المركزي، والقرارات التي ستصدر عنه، عليهم أن يسألوا الشعب الفلسطيني عن مدى اهتمامه بالجسم المسمي (المجلس المركزي الفلسطيني)، وعن مصدر شرعية هذا المجلس، وكيف صار أعضاؤه ممثلين وحيدين للشعب الفلسطيني، وكيف صارت قيادته تاريخية؟ ومتى فوضهم الشعب الفلسطيني للتحدث باسمه؟ وبأي حق يناقشون قضاياه المصيرية، وإلى متى يقررون مستقبله السياسي الذي صار غامضاً غموض مرجعية المجلس المركزي المالية والسياسية.
يقول لنا التاريخ الفلسطيني الحديث: إن المجلس المركزي الراهن قد انتزع شرعيته في القرن الماضي، وبالتحديد سنة 1969، حين رفع بندقية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، ورفع شعار (تحرير فلسطين كل فلسطين).
فهل ما زالت مقومات الشرعية باقية؟ هل ما زال المجلس المركزي في القرن الواحد والعشرين يقبض بأكف الكرامة على بندقية المقاومة؟ وهل ما زال متمسكاً بشعار تحرير كامل تراب فلسطين؟ ألا يحق للشعب الفلسطيني أن يسقط أي قيادة أسقطت المقاومة، ألا يحق للشعب الفلسطيني أن يتخلى عن أي قيادة تخلت عن تحرير كل فلسطين، ألا يحق للشعب أن يتجاهل اجتماع أعضاء المجلس المركزي الذي تجاهل الثوابت الوطنية، وغاب عن مفاصل القضية، وغطى على المفاوضات العبثية، ولم يعترض على التنسيق الأمني، ولم يغضب للتوسع الاستيطاني اليهودي، ولم يفعل شيئاً ضد تهويد المقدسات، ولم يفكر بعقد جلسة طارئة طوال 51 يوماً من الحرب على غزة، ليجتمع اليوم غضباً على احتجاز إسرائيل لعائدات الضرائب.
لقد حرصت شخصياً على التواصل مع مئات الأشخاص، وسألتهم عن تركيبة المجلس المركزي، وعن عدد أعضائه، وعن مهماته، وعن واجباته، وعن توقعاتهم من نتائج اجتماعاته، فاكتشف أن شعبنا في واد، وجلسات المجلس المركزي في واد آخر، لقد اكتشفت التالي:
1- يتشكك الناس في شرعية المجلس المركزي الذي يعقد جلساته تحت سمع وبصر الاحتلال، وتحت رعاية السلطة التي شكلها المجلس المركزي.
2- يتشكك الناس في قدرة المجلس المركزي على التفكير بحرية، واتخاذ قرارات سيادية؛ تخالف ما يراه من يتحكم بسندات الصرف المالي لأعضاء المجلس المركزي، ومن يمنح ويمنع صرف بدل حضور جلسات، وبدل الإقامة في الفنادق.
3- ويتشكك الناس في قانونية عقد جلسات المجلس المركزي، الذي يمر كشف أعضائه عبر بوابة إسرائيل؛ التي مارست حقها في السماح لمن يشارك، ومنعت من لا ترغب بمشاركته.
4- ويتشكك الناس في شرعية المجلس المركزي نفسه، والذي لم يسهم ملايين الشعب الفلسطيني في اختيار أعضائه بشكل ديمقراطي حر.
5- ويتشكك الناس في كل ما سيصدر عن المجلس المركزي من قرارات صاغها شخص السيد محمود عباس، الذي دعا لاجتماع المجلس المركزي في هذه المرحلة؛ كي يغطي على فشله السياسي لسنوات خلت، ويمهد لفشل القادم.
6- ويتشكك الناس في مقولة (إن المجلس المركزي سيد نفسه) فكيف يكون سيداً لنفسه من لا يمتلك قوت يومه؟ وكيف يكون سيداً لنفسه من ينتظر مصروفه الشخصي من جيب مالية السلطة؟ ولا ينتظر إلا رضا التنظيم أو المجموعة التي عينته عضواً في المجلس المركزي.
تجاوباً مع جماهير شعبنا، أتمنى على القوى السياسية الفلسطينية التي لما تزل ترفع البندقية، وترفض اتفاقية أوسلو، ولا تعترف لليهود بشبر من أرض فلسطين، أتمنى عليهم دعوة جماهير الشعب للاحتشاد رفضاً للتفرد الأبدي بالقرار السياسي الفلسطيني.
د. فايز أبو شمالة