المجلس المركزي

بقلم: نبيل عمرو

ينعقد اليوم المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويفترض ان يكون المجلس المركزي مؤسسة قرار، كونه يحل قانونيا محل المجلس الوطني في حال عدم انعقاده، وقليلون ربما يعرفون ان قيام السلطة الوطنية وهو أحد اهم القرارات المفصلية لمنظمة التحرير، صدر عن المجلس المركزي ، ما اعطاه شرعية قانونية تعادل صدوره عن المجلس الوطني، الا ان هذا المجلس كغيره من المؤسسات الرئيسية لمنظمة التحرير، تراجع دوره في الحياة السياسية، بفعل طغيان مؤسسات السلطة، وخصوصا حين كان المجلس التشريعي المنتخب قيد العمل، وكان مجلس الوزراء، المسؤول عن انفاق مليارات الدولارات قيد العمل كذلك، بينما كانت اللجنة التنفيذية التي هي القيادة العليا او هكذا يفترض، تقف على الدور امام وزارة المالية، للحصول على بعض مصروفاتها او مصروفات الدوائر المنبثقة عنها .

ورغم اهماله وعدم انتظام اجتماعاته بصورة دورية كما يفترض، الا انه يظل صاحب شرعية لا جدال عليها، وعلى رئاسة المجلس والقيادة الفلسطينية عموما، ان تقدم اعتذارا عن هذا التقصير الذي لا مبرر له، خصوصا بعد ان انحدر وضع مؤسسات السلطة الى ادنى مستوى من الفاعلية، وخصوصا المجلس التشريعي، الذي تم الغاؤه موضوعيا بفعل الانقسام والسطو الاسرائيلي عليه.

وعلى اهمية هذا الامر وفداحة التجاهل، الا اننا مضطرون للتعامل مع هذا المجلس، بقدر اكبر من الجدية، مراهنين على يقظة قيادية تجعل منه مؤسسة دائمة الحضور في حياتنا، وليست موسمية الايقاع عند الحاجة.

لقد تابعت وانا واحد من اقدم اعضاء المجلس ربما، سيل الاقوال التي سبقت انعقاده، وقرأت في الصحف عددا من جداول الاعمال التي اجتهد بعض الاعضاء وغير الاعضاء في تحديدها، واكاد اجزم ان رئاسة المجلس المنوط بها وضع جدول اعمال محدد، كانت اخر من يعلم مما اشيع ، ما يفقد هذه المؤسسة الكبرى جديتها ومصداقية اجتماعاتها وقراراتها، ولقد بالغ المتحدثون عن غير علم في تحميل هذا المجلس الغائب الحاضر ما لا يستطيع حمله ، وقيل انه سيتخذ قرارات مصيرية حاسمة في امور تهم مستقبل الشعب والقضية، ولكثرة ما قيل اصيب المراقبون السياسيون بالذعر، وهرع السيد كيري، الى الاتصال بالقيادة الفلسطينية، طالباً منها تخفيف لهجة وحدة القرارات، خشية انهيار ما تبقى من العملية السياسية ، ولعله طلب التريث الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية، التي سوف يُستبان بعدها الخيط الابيض من الاسود، ولم ينجُ السيد كيري من الهجوم والانتقادـ فعندنا من بلغت قوة شكيمته حد تجريمه لمجرد الاتصال.

الذين يصدقون كلام السياسيين عندنا على قلتهم ، هيأوا انفسهم لانقلاب جذري في مجرى العلاقة مع اسرائيل، وسمعوا بشائر الغاء اوسلو وتقويض الاتفاق الاقتصادي، وانهاء التنسيق الامني ، ونقل الملف السياسي بكل اوراقه باتفاقاته وتفاهماته الى الارشيف، مستبدلين اياه بملفات مجلس الامن ومحكمة الجنايات ، ومع انني لا اعرف على وجه الدقة، هل سيتخذ المجلس المركزي قرارات قاطعة بهذا الشأن ام انه سيفعل جريا على عادته غير ذلك.

بصفتي عضوه في هذا المجلس فلا املك الا رأيي وموقفي وهو رأي وموقف يتلخصان بجمل قصيرة هادئة وواضحة ...

انني انصح قومي بالهدوء والتعقل وتغليب منطق الحسابات على منطق الشعارات ، وقبل اتخاذ اي قرار نحاسب عليه فلسطينيا واقليميا ودوليا لندقق في المناخ المهيمن على المنطقة بأسرها، والذي يجعل من اي قرار سياسي غير مدروس بمثابة قفز الى المجهول، له ثمن يدفع ولا مزايا تتحقق، ولقد طلبت من رئاسة المجلس تأجيل الاجتماع الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية ، وقد رفض هذا الطلب.

ان وضعنا من كل النواحي يقترب من المأساوي، وفي حالة من هذا النوع نحتاج الى اقصى ما نستطيع من الهدوء والحكمة والحسابات الدقيقة.