ولادة قائمة عربية موحدة ومشتركة تخوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة ليس أمرا عرضيا ولا طارئا ولا عابرا، بل هو أمر يستحق الوقوف عنده والتفكر بتفاصيله، ليس فقــــط من باب طبيعة تكـــوين تلك القائمة والظروف التي أدت إلى نشوئها وتماسكها في معركتها الانتخابية فحسب، بل أيضا من باب استدامتها وبقائها.
فجدلية المشاركة في انتخابات دولة الاحتلال من عدمها ليست أيضا أمرا غائبا عن الأذهان، لكنه اليوم لم يعد، وحسب المراقبين، يشكل نقطة النقاش الأهم، وإن كانت بعض القوى من أهلنا في فلسطين التاريخية، أو ما يسميه البعض بالداخل، قد قررت الامتناع عن الدخول في الانتخابات، كالحركة الإسلامية وأبناء البلد. النقاش الأهم اليوم كيف ستعبر تلك القوة الجديدة الصاعدة والواعدة الانتخابات المقبلة وتفوز فيها بأكبر عدد من المقاعد الممكنة لتصبح أكثر تأثيرا؟ فبالأمس القريب رأينا وشهدنا صراعات الإخوة وخلافاتهم وصولا إلى الحالة الكبيرة والمستفحلة من التناحر، الذي شكل بالنسبة لنا كمراقبين شعورا مستداما بالإحباط، لعدم وصول الأهل إلى خط الوفاق والاتفاق، وقدرتهم على تجاوز كل ما وضعه الاحتلال من مطبات وعقبات مرعبة أمام القوائم العربية، وما تمخض عن ذلك من تغذية للخلافات الداخلية وحالات مؤلمة من الشقاق والشخصنة والطلاق البائن.
اليوم يلتم الشمل لينقل الأهل في معركتهم المقبلة من حيز المجهول إلى مقعد القوة المانعة، التي ستكون وفي حال تبوئها المرتبة الثالثة، من حيث الترتيب في الكنيست، أو حتى الثانية، كما يقول بعض المتفائلين، فإن الحكومة الإسرائيلية المقبلة لن ترى النور إلا بالمرور عبر هذه الكتلة العربية الوليدة، أو الدخول في معركة الإئتلاف القائم على الأحزاب والحركات اليمينية المجهرية. لذا وعندما نرى الأهل في فلسطين التاريخية بوزنهم الجديد وقوتهم المانعة داخل الكنيست، فإن فارقا ما سيكون قد حدث ويحدث، خاصة في مساحات التأثير القوية وطبيعة العلاقة المستقبلية بين الاحتلال والفلسطينيين وحال الرفاه الاجتماعي والقضايا المجتمعية، التي تشغل أبناء جلدتنا. فإسرائيل لن تمنح العرب وفي أي موقع كانوا قرار الأمن والحرب، لكنها وكما يقول البعض لن تستطيع مع تعاظم دورهم وعدد مقاعدهم في الكنيست أن تتجاوز قضاياهم إطلاقا، وربما الوصول إلى حد البت في العديد من القضايا المهمة، قضايا لا أريد التطرق إليها الآن إلى حين أن نرى مآل الانتخابات وتشكيلة الحكومة المقبلة.
البعض لا بد أن يقول بأن إسرائيل هي إسرائيل، وأن المشروع الصهيوني الإحلالي لن يتوقف عند العرب ولا تمثيلهم ولا دورهم ولا وزنهم ولا حتى اتحادهم، وأن تكوينة الاحتلال لا تعرف لغة الإذعان والالتزام بأي مواثيق سوى ما يرتبط بأمنه وبقائه.
أما خلفية تشكيل القائمة المشتركة، سواء جاءت بسبب رفع نسبة الحسم في الانتخابات، أو على خلفية الاستشعار بتصاعد الإجراءات العنصرية ضد الأهل في الداخل وضرورة الإطاحة بنتنياهو، فإن العامل الأهم هو استدامة هذه الوحدة وألا تكون زواجا مصلحيا انتخابيا ينتهي بانتهاء الانتخابات المقبلة. فقضايا الأهل في الداخل والفلسطينيين عموما تتطلب تماسك هذه الوحدة وتجانسها، في مواجهة المعركة الوجودية التي ستبقى على رأس أولويات أي من الحكومات الإسرائيلية القائمة والمقبلة.
ولعل نجاح هذه التجربة في تماسكها وتجاوزها لرواسب الماضي سيشكل تجربة فلسطينية وحدوية نوعية استمرت مثيلتها في الضفة وغزة بالمراوحة والاضطراب والفشل.
إن معركة الوجود في فلسطين التاريخية لم تعد واحة سجال وصراع وتشكيك، وإنما فرصة ذهبية للانتصار للهوية في محيط عربي مضطرب لم تعد فلسطين فيه هي الأولوية.. فهل نحن أمام زواج مصلحي أم نواة لترميم الماضي وتطوير المستقبل؟
٭ كاتب فلسطيني
د. صبري صيدم
