رغم الارتباط الفكري والمادي بين حركة الجهاد الاسلامي وايران، والتي لم تأت وليدة اللحظة بل منذ ولادة الثورة الايرانية التي أطاحت بنظام حكم الشاه في ايران، حيث عبر مؤسس الحركة "د. فتحي الشقاقي" عن اعجابه بالثورة الخمينية في كتابه "الخميني .. الحل الاسلامي والبديل" يوم أن كان يواصل دراسته في كلية الطب في مصر، لم تنكر الحركة يوما ما علاقتها بإيران حتى في تلك الآونة التي وجهت لها انتقادات قوية من داخل التيارات الإسلامية بسبب تلك العلاقة، لكن ما يسجل لحركة الجهاد الاسلامي أن العلاقة رغم متانتها إلا أنها لم تتحكم بالحركة وتفرض عليها أجندة المصالح الايرانية الصرفة.
خلال الحرب الأخيرة على غزة ورغم العلاقة الغير سوية بين مصر وإيران، إلا أن حركة الجهاد الاسلامي أدركت منذ البداية أهمية الدور المصري في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو ما عبر عنه مراراً الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي "د. رمضان شلح"، حتى عندما أبدت حركة الجهاد الاسلامي ملاحظاتها على التهدئة التي اقترحتها مصر في الأيام الأولى للعدوان، حملت ملاحظاتها الطابع الدبلوماسي الذي لا يضر بالعلاقة مع الشقيقة مصر بقدر ما يجعل منها شريكاً للموقف الفلسطيني.
زيارة وفد حركة الجهاد الاسلامي إلى مصر في هذه الآونة يجب أن يحظى بمباركة الكل الفلسطيني، خاصة وأنه يحمل معه ملفات ثلاثة تحظى بالإجماع، الأول يتعلق بضرورة إحتواء قرار المحكمة المصرية الذي إعتبر حركة حماس "منظمة ارهابية" والعمل على إعادة العلاقة مع مصر إلى وضعها الطبيعي، حيث يخطيء من يعتقد أن قرار المحكمة يلحق الضرر بحركة حماس وحدها، بل أن الضرر واقع على الشعب الفلسطيني بمجمله وبنفس القدر على مصر ذاتها، مصر التي اكتسبت الكثير من قوتها التاريخية بإحتضانها للقضية الفلسطينية، وبقدر ما تواصل مصر هذا الدور بقدر ما يزداد ثقلها الإقليمي والدولي، ويغلق الأبواب أمام القوى الإقليمية التي تحاول أن تخلق موطيء قدم لها في المنطقة من خلال بوابة القضية الفلسطينية، حتى وإن حمل ذلك طابع التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي.
والملف الثاني المتعلق بالمصالحة الفلسطينية والذي بات من الواضح أنه بحاجة إلى ثقل عربي لدفعه قدماً، وكون مصر هي الراعية للمصالحة وهي القادرة دون غيرها على تذليل العقبات التي تعترض تطبيقها، فنحن بحاجة لتفعيل هذا الدور، والملف الثالث المتعلق بضرورة التوصل لآلية مع مصر يتم بموجبها فتح معبر رفح، وما يشكله من ضرورة ملحة لقطاع غزة كونه البوابة التي يطل من خلالها القطاع على العالم.
سواء نجح وفد حركة الجهاد الاسلامي في التوصل إلى تفاهمات مع مصر حول الملفات الثلاثة وهذا ما نتمناه، أم عجز عن تحقيق اختراقات جدية فيها، فالمؤكد أن جهده مطلوب ويبقى محل تقدير.
بقلم/ د. أسامة الفرا