الثامن من آذار للتذكير والتنوير

بقلم: سلامه ابو زعيتر

يتجدد في كل عام الثامن من آذار(يوم المرأة العالمي)، وتتعالى الاصوات، والفعاليات النسوية والمجتمعية التي تنادي بتعظيم المرأة، وتمكينها في كل مناحي الحياة باعتبارها الشريك بالمناصفة في الحياة مع الرجل، والحق يدعو لأنصافها، ولفتح المجالات أمامها بعدالة، وبدون أي شكل من أشكال التمييز، بهدف منحها فرصة الشراكة لتساهم في بناء المجتمع بشكل أكبر وأفضل، بعيدا عن النظرة الذكورية المستبدة المتأصلة في المجتمعات التقليدية والمتخلفة، التي مازالت تحافظ على (أصالتها) بنظرتها الدونية للنساء، بدون أن تدرك أو تفهم تلك المجتمعات، لماذا تُصر على الاحتفاظ بتلك العادات البالية التي تعزز ثقافة التخلف بتلك النظرة لعنصر وكيان مكتمل ومؤثر في كل مكونات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟!، فالمرأة تمتلك من القوة الكثير التي يمكن الاعتماد عليها والاستفادة لحقيق أي نجاح، وتجاهل ذلك يعتبر جريمة اجتماعية تضاف لجرائم التخلف والتعصب والتعطيب المقصودة لتلك المجتمعات، فلو تحدثنا عن التنمية المستدامة والتوجهات نحو النمو والتطور؛ فاستحالة أن تقوم بشكل صحيح ونصف المجتمع معطل، ولو تطلعنا لمواجهة التحديات والمشاكل الاجتماعية نجد المرأة ضرورة وعنصر مهم في علاجها، أما بالنسبة للسياسية ما قيمتها إن لم تكن النساء فيها مؤثرة، فهن يمثلن ما يقارب النصف في أي مجتمع أو كيان، إذا فالمرأة عنصر مهم ومؤثر ومنتج، وله اسهاماته، فلو نظرنا لأي أسرة ناجحة، نجد أن فلسفة إدارتها تقوم على أساس الشراكة الحقيقية بين الزوج والزوجة، والنتيجة طبيعية النجاح لتلك الاسرة، يطول الحديث عن توصيف أهمية مشاركة المرأة في كل الميادين، وضرورته لأي مجتمع يسعى نحو تحقيق تنمية أو إنجاز في شئونه.

نتطلع للمرأة في هذا العصر بطريقة مختلفة، ولكن هل تخلو من نظام الاستغلال والظلم؟! إن كانت تعلو الاصوات في العالم لتحرر المرأة وتمكينها، وتمليكها حقوق جديدة وإنصافها، إلا إن ما يحدث في بعض المجتمعات، ما هو الا شكل جديد للاستعباد وسلب الارادة!!، وهذا تؤكده دراسات تناولت قضايا المرأة، فمنها ما كانت تجيب على خروج المرأة للعمل بدافع اقتصادي، والهدف إعانة الزوج والاسرة على مواجهة متطلبات الحياة، ونجدها تعمل وتجهد، والنتيجة ليست هي المنتفع الاول من الاجر، فالزوج أو الاب هو الذي يجني راتبها، هذا من ناحية المشاركة الاقتصادية، أما بالنسبة للمشاركة السياسية، فالقيادات السياسية تدعو لمشاركتها بفاعلية أكبر، والنتيجة صوت انتخابي -لا أكثر- ولا نجدها تمثل بنسبة تليق بحجمها العددي من تلك المواقع السياسية في السلطة أو المجتمع المدني.

ما زال كل التحركات نحو مشاركة المرأة وتمكينها، خجولة وغير مؤثرة والدليل النتائج الملموسة حتى اللحظة في الكثير من الاقطار والدولة المحيطة وحالنا فلسطينيا ليس الافضل برغم الخصوصية وحالة التحرر، ويعود ذلك للعديد من الاسباب التي تتعلق بالمجتمع، وبثقافته المتخلفة وسياسته المعيقة، ونظرته الدونية نحوها، وبالإضافة لتخلف الرجل كشريك يتجاهل نصفه الاخر، وأخرى تتعلق بالمرأة نفسها، حيث تعاني من الشعور بأنها أقل من الرجل.

ندرك أن مجتمع ذكوري بثقافته، يصعب التأثير به، أو إحداث تغيير سريع به، ولكن لو توفرت الارادة، وأدرك كل عنصر في المجتمع أهميته ودوره المساند لدور الآخرين، ومدي ضرورة التعاون والتشارك لكل الطاقات والقدرات للمساهمة في نمو المجتمع وتطوره، ومدي المنفعة العائدة على الجميع، لكان موضوع المرأة ومشاركتها هو عنوان الساعة، ولأصبح مطلب عام؛ فالتنمية البشرية على سبيل المثال تحتاج العنصر البشري، والانسان هو هدفها وأداتها، ومن العبث أن تحدث ونصف البشر معطلين، فأي برنامج يحتاج الجميع، ولكن وفق معادلة تضمن استمرار حالة من التوازن في المجتمع، فالجميع يدرك الادوار التي تقوم بها النساء والادوار التي يقوم بها الرجل، وهذا التوزيع بالأدوار هو عبارة عن معادلة اجتماعية تخلق حالة من التوازن الاجتماعي، الذي يحفظ استمرارية الحياة، وأي أدوار جديدة لأي طرف من طرفي المعادلة يحتاج لحالة من التغيير والتأهيل، فعلى سبيل المثال، خروج المرأة للعمل لثماني ساعات على الاقل، يحتاج بالمقابل آلية للتخفيف عنها الاعباء المنزلية حتى لا يكون الدور الجديد على حساب صحتها وقدرتها ورعاية الابناء، ولحظتها ستكون النتيجة إهمال دور على حساب أخر،- فالمعادلة الاجتماعية تحتاج تعاون من الاطراف-، دون ذلك سنجد المرأة تخرج للمجتمع وتشارك، ولكن بخجل وبدون تأثير، وذلك ما تؤكده الدراسات بأن أعباء الحياة مثقلة عليها، فبرغم حصولها على الحق بالتعليم وتحقيق تقدم ملحوظ في العديد من المجالات إلا أنها لا تحصل على الحد الادنى لحقوقها الاجتماعية والقانونية، فإن أبدعت وتقدمت خارج منزلها؛ ما زالت حياتها مثقلة بالعمل بالبيت، فهذا الجهد المضاعف بالنهاية يُحولها لماكنة تنتهي بجثة غير قادرة على الاستمرار، وهذا ما نتج عنه الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية، والمرضية للمرأة، لذا هي في حاجة بالإضافة للمطالبة بالتمكين إلى التالي:

- لإرادة حقيقية من الشريك وهو الزوج، فالرجل يمنح الأمان ويعزز الدافعية لدى زوجته، عندما تجده بجانبها داعما ومساندا لها في تطلعاتها، ويساعدها ويعينها في الادوار والاعباء المنزلية، ورعاية الابناء، فالتعزيز والدعم كالأكسجين لحياة الانسان وخاصة الذي يسعى لتحقيق إنجاز ونجاح.

- ضرورة أن يعيد المجتمع نظرته اتجاه المرأة لإنصافها ثقافيا واجتماعيا، فلا يجوز استمرار النظر إليها للمنفعة وبطريقة دونية، فتقدير المجتمع للمرأة مقياس لمدى تمدنه وتحضره ورقيه، ومؤشر ايجابي نحو النجاح والتقدم.

- ضرورة إعادة صياغة البرامج والسياسات الوطنية؛ لتلائم المرأة كشريك حقيقي بالمجتمع، وهذا دور وواجب على الدولة لإيجاد السبل البديلة، والبرامج لمساندتها بالأدوار الجديد، ورعايتها وحمايتها من أي استغلال.

- الواجب إشراك النساء صاحبات العلاقة في كل الخطط والبرامج الموضوعة لتطويرهن وتمكينهن، بما يناسب واقعهن المعاش، ليساهم ذلك بتقديم الافكار المناسبة لوضع الخطط المساندة لأي عملية تغيير، بما يتوافق مع الظروف والقدرات، ويساعد في الحفاظ على كينونتهن ويمنحهن المقدرة على الاستمرار.

اليوم نذكر المرأة في الثامن من آذار لتمجيدها عالميا، وهي بالفعل يُمجدها دورها ومكانتها، فهي الام والاخت والابنة والزوجة والزميلة بالعمل....أخ، وهي الشريك الوجبة شراكته، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، فالرجل يحتاج المرأة، كما هي تحتاج الرجل، وهذا هو الاقرار الاساسي بالحياة الاجتماعية، فكلما تكون العلاقة مستقرة بين طرفي المعادلة بالأسرة؟؟ حتما يكون النجاح والاستقرار لأي مجتمع، على أساس أن حجر الزاوية فيه الاسرة، وتنجح الاسرة بتكامل الادوار بين الزوجين، وفي مقدرتهما على تنشئة الابناء تنشئة سليمة تنعكس على كل المجتمع وتماسكه إيجابيا، وغير ذلك يهدد أمن واستقرار المجتمع وثباته وديناميته؛ وتذكر ذلك مهم للجميع وما كتبت مقالي ناقدا الا بهدف التغيير للأفضل؛.. أخيرا أتقدم لكل النساء في كل أنحاء العالم بالتهاني والتمنيات بالخير في ذكرى اليوم العالمي للمرأة، وأخص المرأة العربية والفلسطينية.

بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر