مسرحية وخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو" أمام الكونغرس الأميركي، بعد أن "طبلوا" و"زمروا له" كثيراً، وحظي بتغطية إعلامية واسعة، قبل وبعد إلقائه كل هذا ينطبق عليه المثل القائل، تمخض الجبل فولد فأراً، وحسب الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، فإن "نتنياهو" أخطأ في تقديراته في الماضي حول النووي الإيراني، وأن لا جديد في خطابه، ولا مقترحات جديدة، فقادة إسرائيل منذ عام 2002، يضغطون ويحذرون ويهددون بأن إيران قريبة من صناعة قنبلتها النووية، وأنه لا جديد في خطابه، ولم يقنع أعضاء الكونغرس، وكل هدفه دعاية انتخابية، وزعمه بأن الاتفاقية الأميركية-الإيرانية سيئة جداً، لأن النووي الإيراني حسب "نتنياهو"، يشكل خطراً ليس على إسرائيل فقط وإنما على العالم بأسره، وأن الاتفاق سيؤدي إلى الحرب، وسط تصفيق حاد لـ "نتنياهو" عندما قال أن إسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها، وللحكم على مدى تحقيق خطاب "نتنياهو" أهدافه، يتطلب تحقيق هدفين رئيسيين:
1- إذا حقق نجاحاً في إحباط الاتفاق المزمع التوصل إليه بين الإدارة الأميركية وإيران حول النووي، أو إجراء تعديل عليه، حيث يزعم "نتنياهو" أن هذا الاتفاق يشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل.
2- إذا نجح الخطاب أمام الكونغرس، وأثر على مزاج الإسرائيليين، برفع مكانة "نتنياهو" وحزبه الليكود، من حيث عدد مقاعد الكنيست في الانتخابات التي ستجري بتاريخ 17-3-2015، إذ أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، تفيد تراجع مكانة حزبه، إذ أن الخطاب أمام الكونغرس، وتوقيته عشية الانتخابات، كان هدفه الانتخابات وعودته إلى هرم الحكم.
إن من أبرز ما جاء في خطاب "نتنياهو" أمام الكونغرس، تنديد "نتنياهو" مجدداً بالاتفاق الذي تزمع الدول الست إبرامه مع إيران، والذي يفترض أن يسمح لطهران بتطوير طاقة نووية مدنية، مع منعها من امتلاك السلاح النووي، حسب "نتنياهو"، وحاول "نتنياهو" نزع فتيل التوتر الذي خلفته زيارته إلى الكونغرس، التي اعتبرت تحدياً للرئيس الأميركي، لأنه لم يتم إبلاغ الرئاسة بها مسبقاً، ما أثار غضب البيت الأبيض، ودفع بـ "أوباما" إلى استبعاد أي لقاء معه.
"نتنياهو" تحدث عن بعض الأمور التي قدمها "أوباما" لإسرائيل وقال: لن يكشف عنها أبداً لأنها حساسة وإستراتيجية مؤكداً أنه سيكون على الدوام ممتناً للرئيس "أوباما" بسبب دعمه لإسرائيل، ووصف "نتنياهو" الاتفاق الذي تريد الولايات المتحدة إبرامه بأنه سيء جداً، ولن يمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية، وأن الاتفاق سيبقي البرنامج النووي الإيراني دون تغيير، ستتمكن إيران من امتلاك السلاح النووي بسرعة فائقة، وخلال سنة بحسب التقديرات الأميركية على حد قول "نتنياهو"، ورأى "نتنياهو" أن النظام الإيراني يشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل، لكن أيضاً للسلام في العالم بأسره، و"نتنياهو" الذي صفق له البرلمانيون الأميركيون مطولاً، اعتبر أن التنازلات في الاتفاق الجاري بحثه، سيترك إيران مع برنامج نووي واسع النطاق، ويؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة الأخطر في العالم، في إشارة إلى الشرق الأوسط، ويجب أن يطلب العالم من إيران ثلاثة أمور:
1- وقف اعتداءاتها ضد الدول المجاورة لها في الشرق الأوسط.
2- وقف دعم الإرهاب في العالم.
3- وقف تهديداتها بالقضاء على إسرائيل.
ورأى "نتنياهو" أن الطريق التي تسلكها الولايات المتحدة حالياً، ستؤدي إلى امتلاك إيران السلاح النووي.
"نتنياهو" بعد عودته لإسرائيل، اكتفى بالقول أن الرسالة وصلت، لكن من ردود الفعل الإسرائيلية على خطاب "نتنياهو"، حسب الصحفي "بن كسبيت معاريف 4-3-2015"، فإن "نتنياهو" لم يكشف عن معلومات جديدة كما وعد، لأنه ارتعب من تهديدات البيت الأبيض، بأن الكشف عن معلومات عن الاتفاق يعتبر خيانة، أما الصحفي "يوسي ميلمان" فقال أن "نتنياهو" حاول المقارنة بينه وبين "تشرتشل"، أو "بن غوريون"، لكنه لم يلق خطاباً كما فعل "تشرتشل"، سوى أنه أجاد الإنجليزية، وقوة الخطابة، دون أن يقدم أي شيء جديد، أما الصحفي "حيمي شيلف هآرتس 4-3-2015"، فقال إن الخطاب جيد، لكنه مدمر لإسرائيل، واستقبل في الكونغرس وكأنه مطرب روك وبطل عالمي، لكن خطابه كان مملاً للمستمع الإسرائيلي، لأنه كرر نفسه حول النووي الإيراني، وتملق الإدارة الأميركية، وفي افتتاحية "هآرتس 4-3-2015"، جاء أن خطاب "نتنياهو" خداع للأحزاب الإسرائيلية الذين يتجاهلون الأمر الخطير، ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي لملايين الفلسطينيين، وزيادة الاستيطان، وحصار غزة، هذا هو الخطر الأكثر على دولة إسرائيل، وعلق زعيم المعارضة "حاييم هيرتسوغ" على الخطاب، أنه بعيد التصفيق الطويل، بقيت إسرائيل معزولة، والخطاب لم يمنع النووي الإيراني، وكتبت الصحفية "سيما كدمون "يديعوت احرونوت 4-3-2015"، بأن "سارة نتنياهو" كانت صادقة عندما قالت أن زوجها يحب أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، مع أن هذه الرغبة بعيدة المنال، فحزب الليكود يعول كثيراً على خطاب "نتنياهو"، في انتخابات الكنيست، وأن "نتنياهو" يعمل لإثارة الناخبين في إسرائيل حتى آخر رمق، فالانتخابات أشعلت حرباً إعلامية في إسرائيل، وأن الجمهور أكثر ثقة بـ "هيرتسوغ"، لكن أحزاب اليمين المؤيدة لـ "نتنياهو" هي التي ستأتي به إلى الحكم، أما موضوع حل الدولتين، فقد اختفى من برنامج الليكود السياسي، وأن "نتنياهو" لم يقل شيئاً في خطابه عن حل القضية الفلسطينية.
وسائل الإعلام الأميركية بدورها هاجمت "نتنياهو" وخطابه، فجريدة الـ "نيويورك تايمز" اعتبرت ظهوره أمام الكونغرس، بالمسرحية الهزلية والـ "بي بي سي" وصفت الخطاب بالوقاحة، والصحفي اليهودي الأميركي المعروف "توماس فريدمان" كتب:"ما الذي يريده "نتنياهو"؟ مضاعفة العقوبات على إيران، أم تفكيك إيران؟ واقترح بصورة ساخرة تعيين "نتنياهو" عضواً في الكونغرس الأميركي، والرئيس "أوباما" عقب على الخطاب بأن "نتنياهو" لم يقترح أية بدائل حقيقية للمفاوضات، وزعيمة الحزب الديمقراطي "نانسي فلوسي"، قالت بأن "نتنياهو" أهان العقلية الأميركية، ووزير الخارجية الإيراني، قال: أن خطاب "نتنياهو" كله كذب وممل لأنه يكرر نفسه، ولا جديد فيه، ولم يقنع أعضاء الكونغرس بأقواله، وهدفه فقط رسالة دعائية للناخب الإسرائيلي، وفرض المزيد من العقوبات على إيران، لكن إيران لن توقف برنامجها النووي، ويهود أميركا يوجهون انتقادات شديدة اللهجة لـ "نتنياهو"، وحسب "هآرتس2-3-2015" فإن ضباط في الجيش الإسرائيلي يعتبرون خطاب "نتنياهو" بالمدمر وأنه تسميم للعلاقات مع الولايات المتحدة، واعتبر رئيس الموساد السابق "مئير دغان"، بأن "نتنياهو" سبب أضراراً إستراتيجية رهيبة، وأكبر ضرر على إسرائيل بشأن إيران ولكن لـ "نتنياهو" وخطابه مؤيدين كثر في أميركا.
إن معركة "نتنياهو" الحقيقية هي الفوز في انتخابات الكنيست، وسط تراجع حزبه في استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، وباعتقادنا أن تشكيل الحكومة القادمة إذا كانت برئاسة "نتنياهو" أم "هيرتسوغ" فإنها تعتمد على مواقف الأحزاب الصغيرة المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك، وأن بيضة القبان في تشكيل الحكومة تعتمد على أحد الأحزاب الصغيرة، وبتقديري فإن أي من الحكومتين، إذا سواء كانت برئاسة هذا الطرف أو ذاك، فإنها ستكون ضعيفة، ولن تستطيع الصمود والبقاء طويلاً، من هنا فإنه من المرجح تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة.
وخلاصة القول، فإن إسرائيل النووية والتي ترفض الانضمام إلى معاهدة الرقابة الدولية على الأسلحة النووية، كما ترفض إبقاء منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، فإنها نجحت في تجنيد دول العالم، هذا العالم المنافق ضد إيران، والعالم العربي الضعيف، لا يملك التأثير في الساحة الدولية، بينما تطاولت إسرائيل على ولية نعمتها أميركا، التي ما زالت تتبناها وتدافع عنها سياسياً وتسليحياً فأين المنطق والعدالة في هذا العالم؟
إن ما طرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بإقامة قوة عسكرية عربية، تكون بديلاً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك، هي فكرة جيدة، غير أنها غير كافية، فقد فشل العرب في إقامة لوبيات عربية في الولايات المتحدة، لها تأثير خاصة على الكونغرس، في مواجهة اللوبيات الصهيونية، وأنه دون بناء قدرات عسكرية وسياسية وبناء صناعات عسكرية متطورة، ودعم مصر في تطوير صناعتها العسكرية، وإنشاء مؤسسة استخبارية مركزية تتعاون مع الدول العربية والإسلامية والصديقة، لتصبح مؤثرة إقليمياً، فإن العالم لا يحترم الضعيف، وعلى العرب الاعتراف بهذا الضعف، والعمل على الاستفادة من تجربة الدول الأخرى، في هذه المنطقة، ليصبحوا أقوياء.
بقلم/ غازي السعدي