علاقة الوعي باللاوعي

بقلم: حنا عيسى

مع ظهور عصر النهضة إتجه التفكير الفلسفي الى البحث عن الحقيقة في الانسان نفسه بما هو مادة وفكر، ان مفهوم الوعي لا في مفهومه الأخلاقي بل تلك العودة التأملية الى الذات والتي بواسطتها نفكر، فالتفكير في الانسان وفي أبعاده أدى الى التفكير في الوعي باعتباره بعداً من أبعاد الانسان، فمشكلة الوعي متمحورة أساساً حول إشكالية الذات الانسانية وكيفية تميزها عن بقية الذوات الأخرى.

ولئن تغايرت دلالات الوعي وتعددت فإنها ترتد إلى فاعلية خاصة بالإنسان وهي التفكير. والوعي كخاصية إنسانية هو تلك المعرفة التي تكون لكل شخص بصدد وجوده وأفعاله وأفكاره، فأن يكون الشخص واعياً ويتصرف طبقاً للمعرفة التي تحركه والعيش بوعي الوجود. وهذه الازدواجية هي التي تميز الإنسان "أشياء الطبيعة تكون مباشرة وبكيفية واحدة، في حين أن الإنسان ولكونه، كائناً ذا عقل له وجود مزدوج فهو يوجد على نفس شاكلة الأشياء الطبيعية، لكنه، من جهة أخرى، يوجد من أجل ذاته، يتأمل ذاته، يتمثلها ويفكر فيها، وهو لا يكون فكراً سوى لأنه فاعلية تشكل وجود الأصل ذاته". إلا أن الإنسان وإن تميز بخاصية الوعي فهذا لا يعني أنه ذاتاً واعية كلية وإذ يظهر في أحيان كثيرة أن الإنسان يكون محكوماً من قبل فاعلية لا واعية تتمثل في دوافع غريزية من أصل جنسية أو عدوانية، وفي أفعال غير واعية ومن هنا يمكننا تحديد اللاوعي بنحو سلبي باعتباره أمراً لا واعي أي كعدم اللاوعي، لكن يمكننا أيضاً تحديد اللاوعي بنحو إيجابي أي باعتباره واقعاً نفسياً يملك نوعاً من الوظافة أو الفاعلية وسمات خاصة في هذه الحالة يحيل اللاوعي إلى اكتشاف سيجموند فرويد والذي ينتمي لحقل التحليل النفسي.

والوعي هو إدراك المرء إدراكاً عاماً ما يجري حوله في لحظة معينة. أو كما قال أحد علماء النفس: "الوعي هو حالنا التي نكون عليها أثناء اليقظة والانتباه، تمييزاً لهذه الحال عما نكون عليه أثناء النوم العميق الخالي من الأحلام. وقد عرف الفيلسوف الإنكليزي جون لوك  Locke، منذ العام 1690 الوعي بقوله "إنه إدراك المرء ما يدور في عقله هو". ولمدارس علم النفس المختلفة آراء متباينة في طبيعة الوعي ووظائفه. أيضا: اللاوعي، وما دون الوعي. تختلف مدلولات الوعي، من مجال إلى آخر، فهناك من يقرنه باليقظة في مقابل الغيبوبة أو النوم. وهناك من يقرنه بالشعور ويشير به إلى جميع العمليات السيكولوجية الشعورية. ويمكن أن نجمل الدلالة العامة للوعي فيما يلي: إنه ممارسة نشاط معين فكري، تخيلي، يدوي …إلخ. ووعينا في ذات الوقت بممارستنا له.

ويمثّل اللاشعور عند فرويد واقعاً ديناميكياً يرتبط بتجربة العلاج الإكلينيكي، ويتكوّن اللاّشعور من المحتويات النفسية المكبوتة، ويمكن أن يصبح معلوماً من قبل الوعي عندما يقع تجاوز المقاومة بفضل التحليل النفسي الذي يظهر المعاني اللاواعية لبعض الإنتاجات النفسية . وفرضية اللاشعور هي فرضية ضرورية، ذلك أن المعطيات النفسية هي في غالب الأحيان ذات فجوات، والعلاج يؤدي إلى افتراض محتويات لاشعورية يمكن أن تفسّر الأمراض العصابية وربّما الذهانية أيضا. ويتمظهر اللاشعور بشكل ملتو في الشعور، ذلك أن هفوات الأفعال وزلات اللسان والأحلام والإبداعات الثقافية تمثل انبجاس اللاشعور في الحياة اليومية. فهفوات الأفعال هي أفعال تخطئ هدفها وقصدها وتعبر عن شيء آخر مخالف لها، ذلك هو حال أخطاء الكتابة أو تكسير الأشياء. فهي كلها أفعال يجب تناولها بجدّية ونكشف معانيها ووظائفها، أما الأحلام فهي متنفس اللاشعور، ذلك أن فرويد يجد في الحلم معنى و يؤوّل محتواه الظاهر، إذ يولّد معاني لاواعية يوضّح بها معطيات الحلم التي تبدو لاعقلانية. فما يضيفه فرويد هو إذن، المحتوى الكامن أو فكرة الحلم، بحيث يصبح الحلم عقلانيا، إذ هو، من هذا المنطلق التأويلي، وما يهم في تأويل الأحلام يتمثّل فيما هو مخفي : معنى الأفكار الكامنة و المقنّعة للحلم.  وهكذا أظهر فرويد المعنى الخفي لسلوكاتنا وأزاح الوعي عن مركزيته، فالوعي ليس إلاّ حالة مؤقتة من حياتنا النفسية غيابها أكثر من حضورها.

*اللاشعور عند فرويد:

إن الناس جميعا أو يكادون، يتفقون على إكساب كل ما هو نفسي سمة عامة تعبر عن جوهره ذاته، وهذا أمر غريب . هذه السمة الفريدة، التي يتعذر وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، هي الوعي. فكل ما هو واع نفسي، وعلى عكس ذلك فكل ما هو نفسي واع. وهل ينكر أمر على هذا القدر من البداهة؟ ومع ذلك فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما وصّح لنا ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصي العلمي يقف ههنا حسيرا، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلا . فكيف ننكر أن الظواهر النفسية خاضعة خضوعا كبيرا للظواهر الجسديُة، وأنها على عكس ذلك تؤثر فيها تأثيرا قويا ؟ إن أرتج الأمر على الفكر البشري، فقد أرتج عليه يقينا في هذه المسألة، وقد وجد الفلاسفة أنفسهم مضطرين، لإيجاد مخرج، إلى الإقرار على الأقل بوجود مسارات عضوية موازية للمسارات النفسيّة ومرتبطة بها ارتباطا يعسر تفسيره، وقد وجد التحليل النفسي مخرجا من هذه المصاعب إذ رفض رفضا قاطعا إن يدمج النفسي في الواعي . كلا ، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية ، وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها .

*علاقة الوعي باللاوعي:-

الوعي واللاوعي عند الانسان مرتبطان بشدة بالانسان وحاجاته وأحلامه، فالوعي الذي يمثل الشعور واليقظة بالنسبة للانسان ينفذ بطريقة ما أحلام اللاوعي والغيبوبة بشكل غير مباشر، عن طريق تحقيق الاحلام والاهداف التي نتمناها ونفكر بها دائما في اللاوعي وتلاحقنا في الوعي لتصبح حقيقة نعيشها . وبغض النظر عن الأحداث والخبرات التي نكتسبها خلال ممارستنا للحياة، فهي مخزنة إما في الوعي فنستخدمها بشكل يومي، أو مخبأة في اللاوعي فنقوم بإستخراجها في حالات معينة من خزائن الذاكرة . لكن أحياناً هذه الحاجات المخفية فينا عن طريق اللاشعور تحاول الظهور دون أن نكون مدركيين أو دون أن نحاول إستخراجها، فتظهر عن طريق أساليب لاشعورية، قد تكون غير محببة أحياناً، مما قد تسبب بعض الاضطرابات النفسية أو الانحرافات السلوكية التي لا يتقبلها المجتمع خصوصا إذا ظهرت هذه الحاجات بشكل مفاجىء وصادم للانسان.  ولهذا إهتم العلماء بتحليل وتفسير السلوك الانساني لمعرفة ماهيته وحقيقته، فقد يكون بالظاهر يمثل حاجات معينة، وفي الباطن يخدم حاجة أخرى، لكن من المهم عدم المبالغة في تحليل ووتفسير أفعال الانسان حتى لا تتزايد الشكوك بين الناس وتعم الفوضى.

*ديكارت: أنا أفكر إذن أنا موجود

إن الوعي عند ديكارت لا يقوم على مبدأ الأشياء بقدر ما يقوم على اثبات وجودنا المفكر فماهية وجود الانسان هي التفكير. وقد عمل ديكارت على اثبات أهمية الفكر في تأسيس الوعي بالوجود إذ لا نقيس قيمة الانسان بما لديه من مادة وإنما نقيسه وفق حقائق الفكر والعقل ومن هنا كانت دعوة ديكارت الى وجوب استعمال العقل بما يعنيه من قدرة على الاستدلال وعلى استخلاص نتائج صادقة. و"تنطلق فلسفة ديكارت العقلانية من الأكثر بساطة الى الأكثر تعقيدا، مركّزا على دور الحدس، وهو حسّ ذهن نقي ويقظ يسمح بالتقاط الفكرة في حالة نقائها وفي كل مرحلة يجب التأكد والضبط بحيث لا نترك شيئا يفلت من يقظة الفكر وهكذا نصبح قادرين على الخلوص باستنتاج فلسفي".