ابتسم وهو يقرأ رسالة وصلته للتو على هاتفه النقال، حاول زميله أن يعرف سر الابتسامة التي علت وجهه، عل الرساله جاءته ببعض الاخبار المتعلقة بموعد وصول الراتب، خاصه أنه يصل الصراف الآلي قبل أن يحط رحاله في البنك، وبالتالي قد يصل خبره للهاتف النقال قبل أن يصل إلى وكالات الأنباء، ضحك صاحب الرسالة دون أن يفصح عما فيها، أعطى هاتفه النقال لزميل يجلس بجواره، ابتسم الآخر حين قرأ الرسالة ونقل الهاتف لزميل آخر، كلما رافقت الابتسامة الهاتف في خطواته ازداد فضول الحضور لمعرفة فحواها، أخيراً وصل الهاتف النقال لزميل لهم حاول إخفاء ابتسامته، استحضر معالم الجدية على وجهه وهو يلقي بسؤاله بين الحضور: ما الذي تحمله الرسالة كي ترسم الابتسامة على وجوهكم؟، هل بمقدور الموت أن يفعل ذلك؟ أعاد الهاتف النقال لصاحبه بينما تحررت ابتسامته من قيد جديته المصطنعة.
الموت لا يجلب معه سوى الحزن وألم الفراق، نعتاد حضوره بأشكاله المتعددة دون أن يفقد هيبته، ودون أن يتخلى عن طقوسه التي يفرضها علينا، الموت يتواجد حيث تتواجد الحياة، لكنه يأتي إلينا بأنماط لا يعرفها غيرنا، أن يلفظ المرء أنفاسه الأخيرة على حاجز قبل أن يسمح له بالمرور، أو أن تتحول الشمعة إلى قاتل محترف تلتهم بنيرانها الأشقاء، أن يأتي من جسم مشبوه أو من مخلفات عدوان، أن يأتي مرتديا ثوب القهر تارة وثوب الحصار تارة أخرى، اشكال تكاد تكون ماركة مسجلة باسم مجتمعنا.
الحزن هو ما نملكه لمشاطرة أهل الميت مصابهم، الدعوة لمشاطرة الحزن عامة، فيما الدعوة لمشاركة الفرح خاصة، المشاركة في الأفراح بخصوصيتها والأتراح بعموميتها هي ما تبقى لنا من عمل، نحاول من خلالها المحافظة على قيم ورثناها كي لا تندثر كما اندثرت غيرها، هذا ما قاله صاحب الهاتف النقال في تعقيبه على الرسالة التي جاءته على شكل تعميم يحمل طابع الدعوة، الرسالة التي تحمل خبر وفاة مواطن اعتاد عليها كما اعتاد عليها الكثير من زملائه، ما تفرضه علينا من سلوك المشاطرة يبقى علامة مميزة في علاقاتنا المجتمعية.
بينما كان صوت الرسالة يتنقل في هواتف الحضور النقالة، غرق الجميع في البحث عن مضمونها، لم يساور الكثير منهم الشك بأن ما تحمله يختلف عما سبق الإطلاع عليه، فيما كسر زميل صمتهم حين نهض وقال: قد تحمل عنوانا آخر لحالة أخرى، أراد بنهوضه أن يضع حدا لحوار جعل من الرسالة مادته، بينما هم الحضور بالمغادرة استوقفهم ليسألهم إن كان باستطاعة الابتسامة أن تحمل طابع الحزن؟ ابتسم الجميع دون أن يجيبه أحد.