عندما اعتلى الرئيس السوداني منصة الخطابة في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي لم يكن بمقدوره مجاراة أو تقليد من سبقوه، ولم ينتظر أحد منه أن يفعل ذلك عملاً بالمثل الشعبي "العين بصيرة واليد قصيرة"، لكن ما كان للرئيس السوداني أن يبرح منصة الخطابة دون أن يذكر بما يمكن لبلاده أن تقدمه ويعود بالنفع المشترك على اقتصاد المنطقة، حين أشار إلى مقدرات السودان الطبيعية في المجال الزراعي "الأرض والمياه"، وقدرة المنطقة على توفير أمنها الغذائي إن اجتمعت على أرض بلاده الخبرات البشرية المصرية ورأس المال الخليجي، كما اشار إلى أهمية فتح منفذ جديد بين مصر والسودان تمر من خلاله الصادرات المصرية إلى السودان ومنها إلى العديد من الدول الأفريقية.
مؤكداً أن كلمة الرئيس السوداني تاهت وسط الوعود الضخمة في مساعدة الاقتصاد المصري، التي قدمتها العديد من الدول المشاركة من جهة وحجم الاتفاقات الموقعة مع الشركات الدولية من جهة ثانية، وبغض النظر إن كان النجاح الكبير الذي حققه مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي سيتم ترجمته سريعاً على أرض الواقع أم سيبقى الكثير مما قيل فيه مجرد وعودات، فالمؤكد أن اقتصاد الدولة لا يقوم فقط على حجم الاستثمار العام والخاص في مشاريعها الحيوية والانتاجية، بل يتطلب أيضاً توفير الأسواق لمنتجاتها، وعادة ما تمثل الاسواق القريبة منها نقطة جذب لها كون تكلفة النقل الزهيدة تنعكس ايجابياً على المصدر والمستورد.
ما طرحه الرئيس السوداني من منفذ جديد للبضائع المصرية يجب أن يدفعنا نحن للتفكير الجدي في العلاقة التجارية بين فلسطين ومصر، حيث المصلحة الفلسطينية تتقاطع مع المصلحة المصرية في أن تكون الأراضي الفلسطينية سوقاً لمنتجاتها، وبات علينا ان نتحرر من قيود اتفاقية باريس الاقتصادية، ولعل القرصنة الاسرائيلية المتعلقة بحجز أموال المقاصة تمنحنا المبرر القانوني لفعل ذلك، إن التخوف من إلقاء تبعات قطاع غزة على مصر ليس له ما يبرره إن عملنا بمنهجية الوحدة الجغرافية بين الضفة وقطاع غزة.
ليس هناك من جدوى لمقاطعتنا للمنتج الاسرائيلي إن لم نوفر البديل له، والسوق الفلسطينية هي الاكبر أمام المنتج الاسرائيلي بعد السوق الاميركية، ولا شك أن اقتصاد الاحتلال ينفرد بالفائدة من ميزانه التجاري معنا، والحديث الجاد عن مقاطعة المنتج الإسرائيلي يتطلب عملاً جاداً لخلق منفذ تجاري بين مصر وفلسطين، ولا شك أن السوق الفلسطينية تشكل إضافة كبيرة للمنتج المصري، وبالتالي الحديث حول منفذ تجاري بينهما، بقدر ما هو حاجة ضرورية لنا لكسر الحصار ودفع عجلة اقتصادنا للحركة من جديد فهو في ذات القيمة يعود بالنفع على الاقتصاد المصري.
إن الحديث عن منفذ تجاري يربط فلسطين بمصر عبر قطاع غزة اليوم يجب ألا يبقى من المحظورات، وإن كان من حق مصر علينا أن نشاركها العمل في وقف أعمال التهريب من فوق الأرض ومن تحتها، فمن مصلحتنا المشتركة أن ينشأ منفذ تجاري بيننا، وأن التوصل إلى اتفاق مع الشقيقة مصر ليس بالأمر المعقد، بقدر ما يحتاج إلى وضع آلية متفق عليها تتحمل أطرافها مسؤولياتها.
بقلم/ د اسامه الفرا