عرفت هيئة الخبراء الخاصة بالمخدرات في منظمة الصحة العالمية الإدمان على انه حالة مزمنة أو متكررة من التخدير، مضرة بالفرد و المجتمع، سببها التناول المتكرر للعقاقير(الطبيعية منها أو المركبة)، و خصائص هذه الحالة هي رغبة أو حاجة ملحة (إلزامية) للاستمرار في تناول المادة و الحصول عليها بكل وسيلة. والاتجاه إلى زيادة الجريمة المخدرة. والاعتماد النفسي و الاعتماد الجسمي على الآثار تحدثها المادة التي يتناولها الفرد فالإدمان على المخدرات أصبح آفة اجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية وحتى السياسية منها التي تعيشها الشعوب المتقدمة و المتخلفة إذا صح التعبير و التقسيم.
وبالنسبة لانتشار المخدرات بين الشباب بغض النظر عن مستواهم المعيشي، تظهر فئة التجار"مصاصي دم الشعوب" وهم عصابة مجرمة على مستوى عالمي من التنظيم والاتصال فلهم فروع في معظم دول العالم، فهم غير إنساني للكسب غير المشروع و الثراء الفاحش في سرعة و جرأة، كما لهم هدف سياسي يستهدف تحطيم الشباب من اجل سلب أرادتهم و إشاعة اللامبالاة في المحاور الوطنية القومية وإضعاف الولاء في الدفاع عن الوطن وإهدار النخوة بين أبنائها.
إذن يمكن القول بصراحة علمية أن المخدرات هي سموم تقتضي على نضارة الشباب وتهدده بأخطر الإمراض البدنية والعقلية وتدفع به إلى مهاوي الضياع وأسرار السجون أولا، ولعنة تصيب الفرد ثانيا، وكارثة تحل بأسرته ثالثا، وخسارة محققة تلحق بوطنه رابعا، لان تأثير المخدرات على الأسرة ينعكس على المجتمع الذي تمثل الأسرة خلية من خلاياه.
ومن خلال الدراسات، دلت كافة المؤشرات التي أجربت على مدمني المخدرات على أن غياب دور البيت وضياع السلطة الأبوية من اكبر العوامل التي تدفع الشباب إلى الانحراف و ازدياد نسبة السلوك الجانح الذي يعد تعاطي المخدرات احد صورة.
وفي معظم اسر المدمنين يكون الأب غائبا معظم الوقت ولا يمارس إلا دورا هامشيا في حياة الأسرة. فمشكلة الإدمان لم تطرح نفسها بعد كقضية اجتماعية تستحق المواجهة على أساس من التخطيط في مجتمعنا.. لان تعاطيها يشكل مشكلة متعددة الجوانب، أولا فهي مشكلة قانونية، لان القانون ينظر إليها باعتبارها جريمة بحق المجتمع، وثانيا هي مشكلة صحية، لأنها تتعلق بالجانب الجسمي و النفسي، وثالثا، هي مشكلة اقتصادية، لأنها تؤثر على مستوى الإنتاج وتساعد في انتشار الجريمة في صورها و أنواعها المختلفة.
ورابعا هي مشكلة دينية، إذ إن عدم ورود نص صريح بحرمتها لا يعني أنها مباحة أو أنها حلال إذ يكفي النص العام الذي يقرر أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام، وان المقصود ليس هو كل سائل يشرب ورد فيه النص، إنما المقصود كل ما خامر العقل وغطاه وحجب ضوءه وحال بينه وبين التفكير السليم. والرسول علية الصلاة والسلام يقول "كل ما خامر العقل فهو حرام وكل مفتر حرام" أي ما يغيب العقل ويدعو إلى الفتور فهو حرام.
أما عن أنواع المخدرات التي يتعاطاها المدمنون في بلادنا فهي، الحشيش، والهيروين، وحبة كاجون مطمون، ودواء سيمو، وأفيون، واشتال القنب، وزيت الحشيش.
وأما حول نسبة انتشاره، فينتشر الإدمان بصفة عامة في الرجال أكثر من النساء، 75%من الرجال. وينتشر الإدمان بين المطلقين والعزاب والأرامل أكثر من المتزوجين، وينتشر الإدمان مع انتشار الفقر و البطالة، وينتشر تعاطي الحشيش بين العمال و الفلاحين، وينتشر الإدمان لدى الأفراد الذين يتدنى فيهم المستوى العلمي والثقافي. هذا وترتكب الكثير من الجرائم تحت تأثير المخدرات.
أما حول الجوانب القانونية في مكافحة المخدرات توجد هناك معاهدة دولية لعام 1961م، لضرب المنظمات المتاجرة، ومع ازدياد نسبة المخدرات والإدمان صاغت وعدلت الكثير من الدول تشريعها الداخلية في مواجهة هذه الجريمة المنظمات عصابات رجال المخدرات ".....ومن جانب آخر لا بد من التنويه إليه في بلادنا نلاحظ أن القانون يساعد ويشجع على التعاطي و السبب بأنة لا توجد إجراءات فعلية للحد من هذه المسلكات ألانحرافية، ولا توجد هناك عقوبة رادعة لهذه الجماعات الشاذة " على سبيل المثال " قانون العقوبات الأردني عام 1960م، المواد392,391,390 ، لا يتعامل بقسوة مع مثل هذه الحالات لا بالأجراء ولا بالعقوبة، والمقصود هنا بان هذا القانون يطبق على أبناء الضفة الغربية حتى هذا التاريخ.
فبعد كل ما تقدم أعلاه لابد من اتخاذ الأهداف والإجراءات في مواجهة ومكافحة المخدرات
أولا، تحضير الدراسات و الأبحاث، التي تبين مضار وخطورة المخدرات، وثانيا، الفهم العلمي لطبيعة وأبعاد المخدرات واتخاذ كل التدابير الوقائية في إطار الأسرة و المدرسة و المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وثالثا، التعبئة الإعلامية، وخلق إيمان جماهيري عام بضرورة مواجهة المخدرات عن طريق العمل التطوعي، وبمعنى فتح النوادي من اجل شغل وقت الفراغ و الترفيه المناسب و الرياضة و النشاط الاجتماعي.
ورابعا، بناء المؤسسات والمراكز الكافية والملائمة لرعاية المدمنين، وخامسا، التوعية الدينية ووسائلها, عن طريق تدريب القائمين بالوعظ و الإرشاد. وسادسا، نشر كتيبات, تتضمن أضرار المخدرات, وموقف الشريعة الإسلامية والدين المسيحي الذين يحرمان المخدرات شرعا وذلك بهدف تبصير الجمهور وخصوصا الشباب بأسباب تحريمها, وتوزيعها على أوسع نطاق بالمجان أو بثمن زهيد وتوجيه برامج خاصة بها في الإذاعة المسموعة و المرئية على هيئة روايات أو قصص أو مسلسلات أو أن يخصص برنامج دائم يراعي في أعداده جذب انتباه المستمعين أو المشاهدين وبصورة متوازنة دون مبالغة أو إثارة.حيث جاء في الكتاب المقدس " لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة , بل امتلئوا بالروح ( افسس:5:18) وفي القران الكريم , قال تعالى : " يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير (سورة البقرة , اية 219 ).
بقلم/ د. حنا عيسى