أظهرت انتخابات الكنيست العشرين في دولة الاحتلال فوزا جيدا لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو والذي تعرض في الآونة الأخيرة لسلسلة من الفضائح والتشكيك في قدراته جعلت بعض استطلاعات الرأي تعطي فوزا للمعسكر الصهيوني بزعامة هيرتسوغ وليفني وبفارق أربعة مقاعد عن الليكود، إلا أن النتائج التي أظهرتها الاستطلاعات التلفزيونية مساء الثلاثاء وبعد اغلاق صناديق الاقتراع أعطت الأفضلية لليكود وفي أسوأ الأحوال التعادل بين الحزبين الكبيرين.
ويبدو أن نتنياهو نجح في الحملة التي قام بها في الآونة الاخيرة من خلال القول بأنه يتعرض لمؤامرة كبيرة لإسقاطه تشارك بها اطراف دولية وعربية وفلسطينية، إضافة إلى التشكيك في قدرات هيرتسوغ وليفني على التصدي للتهديدات التي تواجه الدولة العبرية وخاصة من إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية.
إلا أن الملاحظ أن هذ الحملة لم تؤثر على تقدم المعسكر الصهيوني الذي حصل على 27 مقعدا وهو الذي كانت تعطيه الاستطلاعات ما بين 25-26 مقعدا، فكان نجاح الليكود على حساب البيت اليهودي الذي حصل على ثمانية مقاعد فقط وهو الذي كان يصل في استطلاعات الرأي إلى ما بين 12-14 مقعدا، مما يعني انتقال خمسة مقاعد على الأقل من البيت اليهودي إلى الليكود، إضافة إلى انفضاض مصوتي اليمين عن حزب ياحد الذي شكله إيلي يشاي زعيم حركة شاس السابق ولم يتجاوز نسبة الحسم بسبب تصويت الكثير من مناصريه لحزب الليكود بعد تأثرهم بالحملة "الغوغائية" التي قام بها نتنياهو من أجل شحذ همم اليمين للتصويت لصالح الليكود الذي يواجه ما أسماه بالمؤامرة.
في المقابل فإن أحزاب عديدة عانت من التراجع أبرزها اسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان الذي تراجع من 13 مقعدا في الكنيست الماضية إلى خمسة مقاعد فقط بعدما عانى الحزب من سلسلة من الفضائح التي لاحقت العديد من قياداته، إضافة إلى تجاهله للصوت الروسي الذي كان يمثل الثقل الأساسي لهذا الحزب وما أعترى اليهود الروس من تغير في أنماط التصويت بعد بروز الجيل الثاني والذي أصبح غير مقيد بالتصويت ككتلة مثلما كان يحدث سابقا، إلى جانب تراجع حزب البيت اليهودي الذي كان يعوّل على أنه الحزب المستفيد من الحرب الأخيرة على غزة من خلال ظهور زعيمه نفتالي بينت بأنه الحريص على المصالح الأمنية للاحتلال، ولكن نتنياهو نجح في سحب هذا البساط من تحت قدميه مما أدى إلى تراجعه، إضافة إلى تراجع حزب يش عتيد الوسطي بزعامة يائير لبيد والذي كان يمتلك 19 مقعدا في الكنيست الماضية، ولكن تدنى إلى 12 مقعدا، وهو ما يعيدنا الى تجربة أحزاب الوسط في إسرائيل التي لا تستطيع الصمود طويلا في الساحة الإسرائيلية في تكرار لتجربة حزبي كاديما وشينوي.
من ناحية أخرى فإن أبرز الناجحين هما حزبي القائمة العربية المشتركة وحزب كولانو بزعامة كحلون، فالقائمة العربية استطاعت الحصول على 13 مقعدا لأول مرة في تاريخ انتخابات الكنيست مما يعني سيكون لها تأثير كبير في اسم المرشح لتشكيل الحكومة إلى جانب العديد من المكاسب لفلسطيني 48، أما حزب كحلون الوسطي فإنه نجح في الوصول إلى 9 مقاعد في أول مشاركة له في الانتخابات وسيكون له الدور الأكبر في تحديد رئيس الحكومة الاسرائيلية المقبل.
وعند الحديث عن سيناريو تشكيل الحكومة الاسرائيلية المقبلة ومن سيستطيع تشكيل الحكومة، فإنه بالنظر إلى جلسة المشاورات التي سيعقدها الرئيس الاسرائيلي ريفلين فإنه من المتوقع إلى جانب الليكود أن تقوم أحزاب البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا وشاس ويهودات هتوراة بتسمية نتنياهو كرئيس للحكومة وهو ما يعني أنها ستجمع ما يقارب 55 مقعدا، في المقابل فإنه من المفترض أنه إلى جانب المعسكر الصهيوني فإن أحزاب يش عتيد والقائمة العربية وميرتس ستمنح الفرصة لهيرتسوغ وهو ما يوضح أنه سيجمع 57 مقعدا.
ومن هذا يتبين لنا عدم قدرة أي من نتنياهو أو هيرتسوغ على تشكيل الحكومة دون الاستعانة بكحلون والذي سيكون الطرف المرجح لأي منهما للحصول على الأغلبية من أجل تشكيل الحكومة، لذا سيحاول كل منهما استمالته وتقديم الاغراءات الكبيرة له من أجل الحصول على صوته.
ومع ذلك فإن خيار حكومة الوحدة الوطنية ليس مستبعدا وقد ينجح ريفلين مثلما ألمح مسبقا في تشكيل حكومة موسعة تضم الليكود والمعسكر الصهيوني ويش عتيد وكحلون وربما البيت اليهودي، وتكون رئاسة الوزراء تبادلية بين نتنياهو وهيرتسوغ.
في الخلاصة فإن نتنياهو يعتبر الفائز الأكبر بالانتخابات إلا أن هذا الفوز لا يضمن له تشكيل الحكومة، وحتى لو استطاع تشكيلها دون الاستعانة بالمعسكر الصهيوني فإنه يعني تشكيل حكومة يمينية ضيقة وهذه الحكومة قد لا تستمر طويلا وسنشهد انتخابات إسرائيلية مبكرة خلال عامين مثلما أصبح يتكرر كثيرا في السنوات العشرين الماضية بسبب أزمة الحكم التي تعيشها إسرائيل وانخفاض تمثيل الحزبين الكبيرين.
بقلم/ عاهد عوني فروانة
باحث في الشأن الإسرائيلي