كان ينبغي لما أعلنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أنه «على واشنطن التفاوض مع الرئيس بشار الأسد لإنهاء الأزمة في سورية في سياق بنود مؤتمر جنيف» أن يتم ذلك منذ بداية هذه الأزمة.
ولكن إذا كانت الإدارة الأميركية جادة في هذا الطرح فعلاً فالطريق إلى ذلك واضحة المسار إذ لا تعرجات ولا منحنيات ولا مطبات تضعها الدبلوماسية السورية أمام مركبة الحل، الأمر الذي شددت عليه دمشق طوال السنوات الأربع الماضية من الحرب عليها.
إعلان كيري وقبله ما جاء على لسان مدير وكالة المخابرات الأميركية سي آي إيه جون برينان «لا أحد منا، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف ضد «داعش» ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة السورية والمؤسسات السياسية في دمشق، لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة ولاسيما تنظيم «داعش»، إن دل على شيء فإنما يدل على صوابية الموقف السوري النابع من نهج وطني وقومي ثابت ومبدئي ليس من أربعة أعوام فقط، بل منذ بداية الصراع العربي الصهيوني في القرن الماضي.
طوال سنوات الحرب العدوانية على سورية وانطلاق «الربيع العربي» حاولت الإدارة الأميركية وحلفاؤها من عرب وعجم، خلط الحابل بالنابل ووضع الأقانيم الدولية في كفة واحدة، خدمة قديمة متجددة للمشروع الصهيوني- الأميركي- الرجعي في المنطقة.
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية لا تريد حقا انهيار مؤسسات الدولة السورية فعليها أن تطرق من جديد باب دمشق وتحاور الشرعية السورية وفق مصالح واضحة للبلدين وللشعبين وللمنطقة والمجتمع الدولي، وهذا لا يتأتى إلا بعد الاتفاق والعمل على محاربة الإرهاب وأدواته بكل السبل.
السؤال هنا، لماذا تدخلت الولايات المتحدة منذ أربع سنوات (الربيع العربي) في الشؤون الداخلية لسورية ودعمت الإرهاب وعاثت عبر أدواتها وعملائها خراباً وتدميراً وتهجيراً للأرض وللإنسان السوريين تحت ذرائع واهية تتعلق بالإصلاح والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان؟. الإجابة آخذة بالتبلور يوماً بعد آخر. ولعل الذين كانوا يراهنون على جلب الحرية والديمقراطية والتعددية من الخارج أن يحسبوا خطواتهم من الآن فصاعداً بعد تصريحي كيري وبرينان وغيرهما. كما على هؤلاء أن يقرؤوا ملياً وبعقل متزن طرق الغرب اليوم لباب دمشق سراً وعلانية وبوتيرة متسارعة بعد أربعة أعوام من المؤامرة الدولية على سورية والمنطقة (الربيع العربي) و(الفوضى الخلاقة) و(الشرق الأوسط الجديد والكبير).
لطالما شكّلت سورية على مر التاريخ مشكلة سياسية مربكة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لا لشيء إلا لأن هذا البلد العربي بشعبه وجيشه وقيادته وكل مؤسساته كان ولا يزال عقبة كأداء أمام مخططات التآمر والهيمنة الأميركية على المنطقة. وهذا تجلى أيضاً في رفض دمشق للمشاريع والمخططات المذكورة.
إن ثبات النهج السوري في الصراع الوجودي، جعل السياسة الأميركية مربكة، بحيث باتت إدارتها تبحث اليوم عن مخرج من عنق الزجاجة المتمثل بحرب الاستنزاف التي تديرها ضد سورية، بعدما انقلب السحر على الساحر.
المأمول الآن هو ألا تناقض الإدارة الأميركية ما قاله كيري وغيره. فالفواتير امتلأت وما عاد من متسع للاستزادة لأن على هذه الإدارة وحليفاتها إدراك فشلهم في قبض الفواتير في سورية فما جرى في العراق وليبيا لن يتكرر في سورية التي هي حقا استثناء شاء من شاء وأبى من أبى.
وإذا ثبت صدق نيات الإدارة الأميركية فسنقول للسيد جون كيري لا فض فوك. كما على السوريين أن يجتمعوا هنا في عاصمتهم، دمشق الفيحاء حيث هنا البداية والنهاية للحل، فلا عاقل يرفض الحرية والديمقراطية والتعددية والتنمية والتقدم، شرط أن يكون كل ذلك تحت سقف الوطن.
نعيم إبراهيم