لهم الحق أن يتفاخروا بالديمقراطية، ولهم الحق أن يختاروا رئيس وزرائهم بحرية واحترام، ولهم الحق أن يطردوا الرئيس لو قصر قليلاً في أمنهم، وفي موعد صرف رواتبهم، ولهم الحق أن يقذفوا بأكبر وزير إلى سلة المهملات، لو نسي نفسه قليلاً، لهم الحق أن يرفعوا رؤوسهم بلا خوف من أي مسئول، ودون أن يحسبوا حساب لقطع الرواتب، أو النقل التعسفي من الوظفية، إنهم الإسرائيليون الذين ينتخبون ممثليهم في البرلمان بحرية، ويتبادلون السلطات بثقة، ويتنافسون بكرامة، ويحتكمون في خلافاتهم إلى القانون، القانون الذي يدوس بنعال الحق على رؤوس الجميع، وقد منع يوم الانتخابات على وسائل الإعلام أن تبث مؤتمراً صحفياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فالتزم رغم غضبه، واحترم نفسه، واحترم القانون الذي صاغه ممثلو الشعب، وصار أكبر من الرئيس، وصار مرجعية الفصل بين مؤسسات الدولة وبين أفراد الشعب.
أما نحن الفلسطينيين، فلا يحق لنا أن نفتخر بالديمقراطية، ولا يحق لنا أن نحتكم عند الخلاف إلى القانون، ولا يحق لنا أن نختار الرئيس، لأن رئيسنا قد حاز على الثقة من مجلس جامعة الدول العربية، ولا يحق لنا أن ننتخب المجلس التشريعي الذي يمثلنا، ويسن القوانين التي تتناسب وحياتنا، فقد ألغاه الرئيس، لقد شطب الرئيس المجلس التشريعي عن الخارطة السياسية بجرة قلم، وأغلق مقره في رام الله، وحرم الشعب من الحياة الديمقراطية.
قد يظن البعض أن التفوق الإسرائيلي على الفلسطينيين مقصور على السلاح والقوة العسكرية والقوة المالية، ونسوا أولئك أن التفوق الإسرائيلي مصدره ديمقراطية القرار، فاليهود لا يعبدون الفرد، ولا يقدسون الرئيس، ولا يصلون الفجر بين يدي المسئول، الإسرائيليون يحكمهم القانون، الذي لا يحترم كبيراً خارج إطار الانتخابات الديمقراطية، فكيف للفلسطينيين الذين لا يمارسون حياتهم الديمقراطية، كيف لهم أن يواجهوا ديمقراطية عريقة؟ وكيف سينتصر مجتمع محكوم بالتفرد والتسلط والفساد والعائلية، كيف سينتصر على مجتمع يحترم صندوق الاقتراع؟ وكيف يتسنى لمجتمع محكوم ببرأي الفرد الأحد، كيف يتسنى له أن يواجه مجتمع محكوم لرأي الجماعة التي تخضع للفرز الديمقراطي كل عامين؟
نحن الفلسطينيين سنبقى العبيد طالما بقينا نعبد الرئيس، وسنبقى العبيد طالما مارسنا الحجيج إلى بيت رئيس الوزراء، وسنبقى العبيد طالما حرصنا على الوقوف أمام مكتب المسئول الأمني، ولا نحترم الرأي الآخر، ولا نمتلك الاستعداد لتسليم السلطة للآخر، وسنظل العبيد لأننا حشرنا عقولنا في مسالك سياسية لا تسمح لأجسادنا أن تتحرك على فطرتها.
نحن الفلسطينيين بحاجة إلى ثورة على أنفسنا أولاً، نحن بحاجة إلى تحطيم القواعد الرديئة للعمل السياسي الفلسطيني الذي زكي التنظيم ليحط من قدر المجتمع، ورفع من قدر الحزب ليحط من قدر الدولة، وعزز الانتماء للجماعة الضيقة على حساب الانتماء لكل فلسطين.
لقد جاء فوز حزب الليكود في الانتخابات الإسرائيلية ليؤكد على المفاصل السياسية التالية:
1ـ لقد أحسن نتانياهو اختيار زمن الانتخابات بدقة بالغة، فهو يدرك مزاج للناخب الإسرائيلي الذي صفق لمواقف نتانياهو العقائدية من قضية حل الصراع مع الفلسطينيين.
2ـ لقد اصطف اليهود خلف نتانياهو الذي تحدى أوباما، وأعلن عن استقلالية القرار الإسرائيلي النابع من مصلحة اليهود العليا، وهذا ما قدره له اليهود، وما حرضهم للوقوف من خلفه ضد السياسة الأمريكية التي يجب أن تكون خاضعة لنفوذ اليهود بالكامل.
3ـ الخاسر الأكبر من نتائج الانتخابات الإسرائيلية هو السيد محمود عباس، الذي رهن القضية الفلسطينية على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وراهن على فوز المعسكر الصهيوني، كي يستأنف المفاوضات العبثية، فجاء فوز نتانياهو الساحق ليقول له: لا دولة فلسطينية، ولا لتقسيم القدس اليهودية، ولا إخلاء للمستوطنات، ولا حديث مع الفلسطينيين إلا في إطار الخدمة العامة للأمن الإسرائيلي، والانصياع لتعليمات ضابط المخابرات الإسرائيلي من خلال التنسيق الأمني.
فماذا ستفعل القيادة الفلسطينية التاريخية إزاء هذه الحقائق الدامغة؟
د. فايز أبو شمالة