نتنياهو يريدها دولة “يهودية” فيؤيده الغرب وامريكا… والبغدادي يريدها “اسلامية” فيحشدون ستين دولة لمحاربته..

بقلم: عبد الباري عطوان

نتائج الانتخابات الاسرائيلية افرزت فائزا واحدا هو بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف الذي يدعمه، وخاسرين كثر ليس من بينهم قطعا الشعب الفلسطيني في كل الاراضي العربية المحتلة ودول الشتات.

انتصار نتنياهو الانتخابي هو اكبر خسارة للاسرائيليين انفسهم، وكل الدول الغربية التي وقفت معهم، ودعمتهم، وصدقت ديمقراطيتهم الكاذبة ورغباتهم في السلام والتعايش.

لم يكن مفاجئا بالنسبة الينا ان يدغدغ نتنياهو المشاعر العنصرية المتأصلة لدى غالبية مستوطنيه عندما حسم الانتخابات ونتائجها لصالحه في الدقائق الاخيرة لحملته عندما قال بصوت عال مليء بالغرور والعنجهية: لا لدولة فلسطينية مستقلة، ونعم للاستمرار في التوسع الاستيطاني في الارض العربية، وكانتا بمثابة السحر الذي غير مسيرة العملية الانتخابية، وغيرت نتائجها.

هذه المواقف العنصرية اسقطت مجددا قناع الزيف والتضليل الذي ارتداه نتنياهو طوال السنوات الست الاخيرة من حكمه، واظهرت وجهه العنصري التوسعي الرافض للسلام، ليس بالنسبة الينا، فنحن نعرفه جيدا، وانما لداعميه من امريكيين واوروبيين وبعض العرب للأسف.

 

***

الاسرائيليون، او النسبة الاكبر منهم، الذين يجسدون الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ويمثلون قيم الحضارة الغربية في نظر الكثير من الاوروبيين، وجهوا رصاصة الرحمة الى صدر عملية السلام، وكل قرارات الامم المتحدة وما يسمى باللجنة الرباعية وخريطة الطريق والسلطة الوطنية الفلسطينية.

ان هذا الاختيار دليل ضعف وخوف وقلق من المستقبل، وليس دليل قوة مثلما يعتقد الكثيرون، ونتنياهو خير من لعب على وتر “سياسة التخويف” لدى ناخبيه للبقاء في السلطة، فقد خوفهم من ايران وبرنامجها النووي، وحماس وصواريخها، وحزب الله وتجربته القتالية المتقدمة، ولكنه لم ينجح في تقديم اي حلول او ضمانات لهم في اي من هذه التهديدات، فقد تعرض لهزيمة ساحقة في قطاع غزة اذلته واذلت جيشه، واحبطت كل مخططاته في وقف الصواريخ، ونزع سلاح المقاومة وثقافتها، وظهر جبنه واضحا عندما ابتلع اهانه عمليات حزب الله في مزارع شبعا وهضبة الجولان، ولم يجرؤ على الرد، وظل يرعد ويزبد اكثر من ست سنوات مهددا بضرب المنشآت النووية الايرانية، ولم يطلق رصاصة واحدة عليها، وها هي الولايات المتحدة الامريكية على بعد عشرة ايام من توقيع اتفاق تاريخي مع ايران يرفع الحصار الاقتصادي عنها، ويبقي خبرتها النووية “الكامنة”، وكل اجهزة الطرد وكميات اليورانيوم المخصب التي في حوزتها.

ربما يكون نتنياهو نجح في هزيمة الرئيس باراك اوباما مرتين، الاولى، عندما خاطب الكونغرس من وراء ظهره، والثانية يوم امس، عندما هزم احزاب يسار الوسط (الاتحاد الصهيوني) الذي دعمه الرئيس الامريكي، ولكنه خسر قطعا معظم الديمقراطيين الامريكيين عندما تحدى الادارة الامريكية وبيتها الابيض بطريقة استفزازية وقحة وانحاز الى الجمهوريين.

الادارة الامريكية ومعها معظم الحكومات الغربية ساندت وتساند مطلب نتنياهو بالاعتراف باسرائيل دولة يهودية، وتضغط على العرب، والفلسطينيين خاصة بفعل الشيء نفسه، ولكنها، وياللمفارقة ترفض القبول بـ”الدولة الاسلامية” التي يتزعمها السيد ابو بكر البغدادي، وترسل طائراتها لمحاربتها وقصف مواقعها، وتشكل تحالفا ستينيا للقضاء عليها، فأي نفاق هذا، وهل يقل نتنياهو ارهابية عن هذه الدولة، الم يقتل 2200 فلسطيني في عدوانه الاخير على قطاع غزة الذي استمر خمسين يوما، ألم يشرد مئة ألف اسرة ما زالوا يعيشون في العراء فوق منازلهم المهدمة؟

الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان من بين المراهنين على فوز “الاتحاد الصهيوني” الذي يتزعمه الثنائي هيرتزوغ ـ ليفني، لشراء المزيد من الوقت لسلطته المتهالكة، وفك التجميد عن ما يقرب من 300 مليون دولار من الاموال المستحقة من الضرائب لسلطته، واقدم على حركة مسرحية باستصدار قرار عن المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الامني مع اسرائيل كورقة تهديد، مثل جميع اوراقه السابقة المحروقة، وعلى رأسها ورقة حل السلطة.

 

***

ماذا سيفعل الرئيس عباس والمجموعة المحيطة به الآن بعد ان عاد نتنياهو بتفويض اسرائيلي اقوى، ووضع “فيتو” واضح على قيام الدولة الفلسطينية، وتعهد بالتوسع في الاستيطان، فهل لا يزال يراهن على المفاوضات والعملية السلمية ام سيقدم على حل السلطة فعلا، ويسلم مفاتيح المقاطعة الى نتنياهو اذا كان يملك هذه المفايتح اصلا؟

اعادة انتخاب نتنياهو واحزاب اليمين المتحالفة معه صفعة قوية، ولا نقول اكثر من ذلك تأدبا، للسلطة الفلسطينية ورئيسها، واصحاب مبادرة السلام العربية، وكل الذين صدقوا الاكذوبة وحاولوا مخاطبة الاسرائيليين من خلف ظهر قيادتهم بترجمة هذه المبادرة ونشرها في اعلانات مدفوعة في الصحف الاسرائيلية ومعظم الصحف العالمية.

نطالب الرئيس عباس بالرحيل دون ابطاء، وليس وقف التنسيق الامني فقط، فقد خسر رهاناته على عملية السلام والتحالف مع الغرب ايضا، وليترك القيادة لمن يستحقها من المؤمنين بثقافة المقاومة باشكالها كافة، انتهى الدرس، وعبارات الفشل مكتوبة على اللوح، ولا مكان للهروب او المماطلة بعد ان نفذت كل حيل الساحر والسحرة.

الشعب الفلسطيني ليس شعبا متسولا ولن يكون، ولم يعد عبدا للراتب، ولا يجب ان يكون، فقد قاوم لاكثر من مئة عام قبل السلطة، وسيقاوم بعدها.. والايام بيننا.

عبد الباري عطوان