جرت في 17 آذار إنتخابات الكنيست العشرون في الكيان الصهيوني، والتي فاز فيها بنيامين نتنياهو بربع المقاعد خلافاً لتوقعات المراقبين، لتكشف أن التحول في الرأي العام في الكيان الصهيوني يسير من السيء إلى الأسوء ومن اليمين إلى اليمين، فيختار برلماناً أكثر تعنتاً ورفضاً لحقوق الشعب الفلسطيني، وللشرعية الدولية التي ترى ضرورة إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على أساس مبدأ حل الدولتين، إن الأحزاب الصهيونية جميعها قد خاطبت الرأي العام الصهيوني، وحشدّت أنصارها على إختلافها على أساس رفض ((مبدأ قيام الدولة الفلسطينية)) ورفض التخلي عن الإستيطان أو عن تهويد القدس بإستثناء بعض الأصوات الهامشية التي لم تنل إلا تأييد القليل من الأصوات.
لقد كشفت هذه الإنتخابات عن مدى هشاشة وضعف ما يسمى بقوى السلام في الكيان الصهيوني، وتراجع تأييدها إلى مستويات غير مسبوقة، في الوقت الذي لم يترك فيه الفلسطينيون مناسبة أو محفلاً إلا وأكدوا رغبتهم بالسلام العادل الذي يحترم الشرعية الدولية، والإرادة الدولية والذي يؤدي إلى إحقاق حقوقهم المشروعة، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود العام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، والتي قد حظيت بإعتراف غالبية دول العالم وبعدم ممانعة بقية الدول لهذا الهدف شريطة أن يتم تحقيقه في إطار المفاوضات الثنائية بين الطرفين ..!.
إن نتائج الإنتخابات الإسرائيلية كشفت عن إستحالة تشكيل حكومة إسرائيلية تفضي إلى قيام مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تؤدي إلى إقرار التسوية المنشودة، هذا ما يستدعي من الأمم المتحدة، والدول على إختلافها أن تعيد النظر في مسألة المفاوضات الثنائية التي تشترطها للوصول إلى ما يسمى بحل الدولتين، لأن ذلك أصبح مستحيلاً أمام الواقع السياسي الذي أفرزته هذه الإنتخابات، فلم يبقى أي أمل بحصول مثل هذه المفاوضات التي يتمناها العالم ومعه العرب والفلسطينيين، لا يمكن أن يتحمل الشعب الفلسطيني إستمرار الإحتلال وممارساته التعسفية والقمعية، وتوسع الإستيطان والتهويد على حساب حقوقه المشروعة، كما لا يستطيع الإستمرار في لعبة التردد والغموض الهدام في مواقف القوى السياسية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي لابد أن تعيد النظر بمواقفها من إدارة الصراع وحسم موقفها مع الشرعية الدولية والإرادة الدولية القاضية بإخضاع الكيان الصهيوني لها، لأن هذا التردد والغموض في مواقف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى الممالئة لمواقفها من الصراع، هي التي شجعت الطبقة السياسية المتنفذة في الكيان الصهيوني بالإستمرار بقيادة مجتمع الإستيطان نحو مزيد من التطرف والغلو في إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
في ظل حالة الإستعصاء والإنسداد السياسي أمام أي مفاوضات جادة تفضي إلى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة، سوف لن يتوقف الصمود والنضال الفلسطيني في وجه هذه الغطرسة الصهيونية والإهمال الدولي الذي بات مستسلماً لهذا التطرف الذي لن يقود سوى إلى الإنتحار السياسي للكيان الصهيوني وإنفجار العنف الدامي كرد فعل طبيعي على هذا التطرف الأعمى العاجز عن رؤية الحقائق الموضوعية التي يمكن لها أن تفضي إلى تسوية مقبولة من العرب والفلسطينيين ومن العالم الذي بات يضيق ذرعاً بممارسات الكيان الصهيوني المتجردة من أبسط قواعد القانون الدولي.
أن الرسالة الإيجابية الوحيدة التي أفرزتها الإنتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني هي بروز دور الصوت الفلسطيني العربي الموحد من خلال القائمة الموحدة والتي فازت بأربعة عشر مقعداً، ستكون أكثر فاعلية وقدرة على كشف عنصرية هذا الكيان وزيفه وبعده عن القيم الديمقراطية الحقيقية، وستكشف سياساته القائمة على الغلو والتطرف وتكريس الفاشية الدينية العنصرية، التي يمثلها الكيان الصهيوني خير تمثيل وتأخذ منه قوى التطرف في المنطقة مبرر وجودها وإنتشارها وتهديدها للأمن والسلم والإستقرار في المنطقة.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس