أرتبط ظهور مفهوم المواطنة بقيام الدولة الحديثة ذات السيادة، وتشكل الوعاء الأنسب للديمقراطية، ورغم تعدد وجهات النظر حول مفهومها إلا أنه استحسن بأن تعرف المواطنة على أنها حالة من المساواة في الحقوق والواجبات بين الأفراد المنتمين للمجتمع يحددها الدستور والقوانين المختلفة القائمة على المشاركة الفعالة في الفضاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لذا هناك ثلاثة أنواع من المواطنة هي المواطنة السياسية وترتبط أساسا بالمشاركة في العملية السياسية، وهناك المواطنة المدنية وترتبط بالمساواة القانونية والحماية من التمييز، الحياة والأمن والسلامة الشخصية، حرية الرأي والتعبير وحق الحصول على المعلومات، أما المواطنة الاجتماعية تكمن في تمتع الفرد بالحقوق المختلفة المتصلة بالاحتياجات الأساسية نحو تطوير قدراته وتحقيق ذاته.
والمواطنة السياسية الكاملة لا تتحقق في أي مجتمع إلا بتوافر مجموعة من الشروط تتمثل في إعطاء حق التصويت للجميع دون تمييز، والاعتراف بأن الانتخابات هي الآلية الوحيدة التي يصل الناس عن طريقها إلى السلطة، وأن تكون بشكل دوري وعلى أساس التنافس والحرية والعدالة، وتحقيق الرقابة المتبادلة والمسائلة، بالإضافة الى توفر نظام سياسي يسمح بالمشاركة السياسية الكاملة.
وقد كفل القانون الأساسي الفلسطيني خمس حقوق سياسية تندرج تحت مسمى حق المشاركة في الحياة السياسية تتمثل في الحق في تشكيل الأحزاب والجمعيات والنقابات وحق الترشح والانتخاب وعقد الاجتماعات وتقلد الوظائف العامة، وقد نظمها المشرع في مادة واحدة وهي المادة (26) من القانون الأساسي، وخول للأفراد المساهمة والمشاركة في حكم أنفسهم من خلال مجموعة من الحقوق التي يتمكن المواطن من خلالها من المشاركة في إدارة شئون بلده، إما بصورة مباشرة عن طريق تولي المناصب العامة، وإما بصورة غير مباشرة عن طريق اختيار قياداته وممثليه.
فالنصوص الجميلة في مواد الدستور والقوانين قد تخفي خلفها شيئا سيئا لا نظير له في العالم، وأثبتت حداثة التجربة الفلسطينية خلال السنوات السابقة بأن النصوص الدستورية والقانونية لا تكفي بحد ذاتها لحدوث التغيير المطلوب في ظل غياب النظام السياسي الفلسطيني القائم على الازدواجية بين المؤسسات الرسمية الثلاث للدولة، وضعف أداء المؤسسات غير الرسمية، فالنظام السياسي الفلسطيني يفتقر إلى القنوات التي تتيح للمواطنين المشاركة في العملية السياسية، لذا المطلوب الانتقال بالنصوص الدستورية والقانونية من كونها مجرد نصوص إلى ممارسة يومية، ويتطلب الوضع الحالي للمواطنة السياسية في فلسطين القيام أولا بتحقيق الوحدة الوطنية والمساواة في الحقوق والواجبات وتوسيع قاعدة المشاركة بحيث تشمل جميع فئات الشعب، وإصلاحات واسعة ومتزامنة على الصعيد الدستوري والقانوني والممارسة وبما يساعد على تحويل الفلسطيني الى مواطن فعال، وهناك حاجة لتغيير النصوص الدستورية المتصلة بالانتخابات وبحيث تعطي مرونة في اختيار النظام الانتخابي المناسب وبما يعزز من تكافؤ الفرص والمواطنة المتساوية، وأن اختيار شكل النظام (برلماني أو رئاسي) ينبغي ان يتم من خلال حوار وطني تشارك فيه كل القوى السياسية ويحدد شكل النظام الديمقراطي المناسب لواقع المجتمع الفلسطيني وظروفه واحتياجاته وتطلعاته وبما يكفل تمثيل مختلف القوى السياسية والفئات المهمشة والفقراء وضمان الحقوق والحريات للجميع على قاعدة المواطنة المتساوية، ولا يمكن تحقيق المواطنة السياسية الكاملة إلا بتحرير الإنسان سياسيا وأيضا تحريره من الفقر والبطالة ومن تسلط الأجهزة الأمنية وتدخلات الحكومة.
بقلم/ رمزي النجار
[email protected]