ليس من السهل إجراء قياس للرأي العام في مجتمعنا الفلسطيني، والصعوبة لا تكمن في غياب منهجبة القياس وأدواته، بل في المزاج المتقلب المتأثر بالأحداث المتلاحقة في مجتمعنا، وإن أخذنا استطلاعات الرأي على أنها واحدة من أهم أدوات قياس الرأي العام، فالمؤكد أن النتائج التي تفصح عنها عادة ما تثير الشك نظراً للاختلاف البين بينها، وهو ما يدفع البعض للإعتقاد بأن نسبة الخطأ بها تتسع بما فيه الكفاية لنسف مصداقيتها.
لكن استطلاع الرأي الذي أجراه مركز وطن للدراسات والبحوث في الربع الأول من العام الحالي، حول اتجاه اراء الفلسطينيين في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية في محافظات الوطن، حمل مفاجأة من العيار الثقيل حين أظهرت نتائج الإستطلاع أن حركة الجهاد الإسلامي تصدرت الفصائل الفلسطينية بإعتبارها الأكثر إيجابية في عملها لخدمة مصالح الناس، وتقدمت بذلك على كل من حركتي فتح وحماس اللتان تديران إلى حد كبير المؤسسات الخدماتية في محافظات الوطن، وإن كانت نتائج الاستطلاع لا تعكس حجم التاييد للفصائل داخل مجتمعنا، على إعتبار أن التأييد لا يتعلق فقط بالخدمات العامة التي تقدمها الفصائل لمواطنيها، بل له إرتباط وثيق بالبرنامج السياسي لكل منها.
الملفت للإنتباه في استطلاع الرأي سابق الذكر هو التقارب الكبير بين الفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بمستوى رضا المواطن عن عملها لخدمة مصالح الناس، حيث الفارق بين ما حصلت عليه حركة الجهاد الإسلامي التي جاءت بالمرتية الاولى والجبهة الديمقراطية التي احتلت المرتبة الخامسة لا يتجاوز الخمسة بالمائة، ما يمكن لنا قراءته في نتائج استطلاع الرأي أن المجتمع الفلسطيني لا يشعر بأن الفصائل الفلسطينية تعمل على خدمة مصالحه، والواضح أن الانقسام وتداعياته ألقى بإنعكاساته على ذلك.
من الواضح أن المواطن الفلسطيني يحمل حركتي فتح وحماس مسؤولية تدهور الأوضاع الخدماتية، ويدرك جيداً أن المناكفة بينهما تستحوذ على إهتمامهما أكثر مما تولياه في معالجة المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا، حيث باتت الخدمات في ذيل الاهتمامات، وبطبيعة الحال لا يمكن لنا إعفاء الاحتلال من تحمل المسؤولية الأساس في تدهور الوضع الخدماتي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الوقت ذاته لا يجوز أن نعفي أنفسنا من مسؤولية تقاعسنا في العمل الجاد لتطوير الخدمات للمواطن بل وحتى وقف تدهورها.
قد يحاول البعض التشكيك في مصداقية استطلاع الرأي في محاولة منهم لطمس دلالاته، لكن الأولى أن يتم قراءته بكثير من الصراحة مع الذات، خاصة وأن المواطن بات على قناعة أن الإحتلال والإنقسام يتشاركان في تحمل مسؤولية تدهور الخدمات المقدمة له.
بقلم/اسامه الفرا