عشية القمة السادسة والعشرين، والتي تجيء بعد نحو سبعين عاما من تأسيس الجامعة العربية عام 1946، فاجأ التحالف غير المقدس بين كل من جماعة الحوثيين، والرئيس السابق علي عبد الله صالح، اليمنيين والعرب وحتى العالم، بالهجوم على عدن، حيث يقيم الرئيس الشرعي الذي تم التوافق عليه بعد المبادرة الخليجية عام 2012 بهدف تجنيب البلاد حربا أهلية، نظرا للطبيعة القبائلية للبلاد، بعد ربيع اليمن، الذي هبت بموجبه الجماهير الشعبية في ثورة سليمة مطالبة بإنهاء حكم نظام الفرد المستبد الفاسد، الذي سرق رأسه ( علي عبد الله صالح ) 17 مليار دولار من ثروة اليمن، والتي كانت سببا في حجز التطور الاقتصادي للبلاد، ومن ثم تفشي البطالة والفقر، فاجأ تحالف علي عبد الله صالح مع جماعة الحوثي التي تمثل الطائفة الزيدية التي يقدر تعدادها بنحو 8 _ 9 ملايين من سكان اليمن البالغ نحو 27 مليونا، الطائفة التي تعدها إيران على المذهب الشيعي، بالهجوم على عدن، بما يعني أن هذا التحالف لا يكتفي بتقسيم البلاد، ولا يقبل بالحل السياسي، بل رأى في التراخي العربي / السني فرصته في فرض إرادته بالقوة العسكرية، والذهاب بعيدا، ليس فقط في ضم اليمن بأسره إلى القوس الشيعي، ولكن في فرض النفوذ الإيراني على الشرق الأوسط / العربي من جنوبه بعد إحكام سيطرته عليه في شماله !
لقد وصل الاستخفاف الإيراني / الفارسي بتحديه لمشاعر ومصالح العرب / المسلمين _ السنة لدرجة أن يعلن رئيس ما يسمى بالحرس الثوري، بعد احتلال الحوثي للعاصمة اليمنية، صنعاء، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي للبلاد هادي عبد ربه منصور، بل وإجباره على تقديم استقالته، توطئة لإعلان الجماعة الحوثية المسلحة مجلسا عسكريا ( ثوريا ) أعلى لإدارة البلاد، بما يوضح دون أي لبس حدود وأبعاد الانقلاب الحوثي بهدف السيطرة السياسية على البلاد، حيث « اسكر « هذا الانتصار العسكري أطراف التحالف غير المقدس، لدرجة الإعلان عن أطرافه علانية، حيث أعلن عن أن عبد الله صالح يقود العلميات العسكرية بنفسه، فيما أعلن المسؤول الإيراني اليمن كخامس دولة عربية تخضع للسيطرة الإيرانية / الفارسية المباشرة، لدرجة التبجح بالإفصاح عن هدف إيران بإقامة أو إحياء الإمبراطورية الساسانية وعاصمتها المدائن جنوب بغداد!
لكل هذا، ولأن اليمن هي البوابة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، حيث من الضروري الإشارة إلى أن نظاما حليفا لإيران في اليمن، سرعان ما سيفتح ملفات مغلقة بين الشقيقين الجارين العربيين، حيث من غير المستبعد، لو أن الأمر استتب للحوثي في اليمن أن يبدأ بالتراجع عن اتفاق التعديل الحدودي، بل وحتى المطالبة بعسير وتهامة، كمقدمة لتفتيت وتجزيء المملكة التي بقيت بمثابة القلعة الأخيرة في رقعة الشطرنج العربية، بعد تفتت العراق وسورية، وسقوطهما، بدرجة كبيرة في «جراب» الحاوي الفارسي!
ولأن عدن بالذات تتحكم بباب المندب، بما يعني أن من يجلس في عدن يتحكم في الخليج العربي بأسره، بما في ذلك مضيق هرمز، كذلك في قناة السويس، التي ستبدو بلا قيمة، لو انه تم قطع الملاحة البحرية عليها في باب المندب، ولعل هذا ما يفسر أن بريطانيا أيام الانتداب كانت تعتبر عدن درتها في اليمن وعاصمة البلاد الاقتصادية.
حين وصلت الأمور إلى الهجوم على عدن، لم يعد الوضع العربي والذي بات محمولا على مصر، عز العرب، وعلى المملكة العربية السعودية تاج العرب، واللتين بتحالفهما، تبقيان على مكانة مستقلة للعرب / السنة، من احتمالات إجبارية للخضوع لأحد أطراف المثلث الخارجي الإقليمي غير العربي : إيران _ الفارسية / الشيعية، أو تركيا / الطورانية _ السنية، أو إسرائيل _ الدولة اليهودية الغاصبة !
وبعد أن وقفت مصر على قدميها، بعد إسقاط حكم الأخوان، واحتواء الإرهاب وحصره في سيناء، بل وتحديه أولا بالمؤتمر الاقتصادي الذي عقد قبل أسابيع، ثم بالقمة العربية، في شرم الشيخ بالذات وليس في القاهرة، وبعد أن انطلقت مصر في إعادة بناء قوتها العسكرية / السياسية مع روسيا خلال زيارة بوتين لها، وبعد أيام قلة من احتواء مشكلة سد النهضة الأثيوبي، عبر القمة الثلاثية التي عقدت في الخرطوم قبل أيام قليلة، ذهبت المحاولة الخبيثة لوضع تاج العروبة المرصع بالذهب الخالص عيار 24، بين فكي الكماشة، في الشمال حيث سورية والعراق حليفتي إيران، والجنوب، عبر تنصيب الحوثي في اليمن.
في لحظة خاطفة تعادل ألف عام، وبهدوئها السياسي المعهود، تحركت الرياض دون صخب، لتضع حدا للعبث في اليمن، وكأنها بذلك قد أشفت غليل ملايين العرب / المسلمين السنة، الذين يتلقون الإهانات ليل نهار وفي كل مكان، ومن قبل أكثر من طرف إقليمي بات يرى فيهم «الحائط الواطئ» والطرف الأضعف، والذي يمكن على حسابه أن يغذي وينمي كل طموحاته المريضة، حتى لو كانت مجرد عقد عرقية، قومية أو طائفية، مضى عليها أكثر من ألف عام!