قراءة نقدية في موقف حركة حماس من "عاصفة الحزم"

بقلم: د. مصطفى اللداوي

يبدو أن حركة حماس تريثت قليلاً قبل أن تصدر موقفها الرسمي من معركة "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة العربية السعودية بمشاركة عشرة دول عربية، وبدعم سياسي ومخابراتي من الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جاء موقف حركة حماس بشكل مقتضب مما يعبر عن الموقف الذي لا تحسد عليه حركة حماس. فيبدو أن القول إن هناك قرار سياسي مستقل للحركة قد يصلح للاستهلاك التنظيري والإعلامي، حيث إن كون حركة حماس حركة فلسطينية تقارع الاحتلال أولاً وكونها الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين يجعل من إمكانية حيادها فيما يشهده المحيط أمراً صعباً. فحتى لو أرادت هي أن تمارس القرار الفلسطيني المستقل، وأرادت أن تلعب الدور الحيادي فيما تشهده دولاً عربية مثل مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق فإن ممارسة السياسة على أرض الواقع يختلف عن التنظير القولي والفكري. فممارسة السياسة تتطلب أحياناً حالة من الاصطفاف شئنا أم أبينا. لاسيما وأن الأطراف السياسية لا يجدي معها موقف اللاموقف، بل تطلب إجابة صريحة وواضحة في حالة الاصطفاف. فإما أن تكون مع أو ضد ولا خيار ثالث.
وقد وقعت حركة حماس كونها حركة سياسية في هذا المستنقع السياسي الذي لابد من الوقوع فيه، فهي في موقف كما قلنا لا تحسد عليه. فهي تعمل على كسب قطر وتركيا إلى جانبها، لاسيما وأن قطر وتركيا تربطها علاقات جيدة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وتحتاج حركة حماس هذا المحور كي يبقى وسيط بينها وبين إسرائيل، وذلك لتخفيف وكبح جماح السياسة الإسرائيلية العنصرية والتدميرية كما أن حركة حماس تحتاج قطر لتخيف حدة التوتر مع النظام السياسي في جمهورية مصر العربية الذي يناصب حركة حماس العداء، ويعتبرها خطراً على أمنه واستقراره كونها جزء من حركة الإخوان المسلمين التي تتعرض للملاحقة السياسية والقانونية والأمنية في مصر. والأمر الأهم من ذلك هي بحاجة للدعم المالي القطري وبشكل أقل التركي. فحركة حماس تمتلك بنية مؤسساتية كبيرة حيث إنها بمؤسساتها التعليمية والصحية والثقافية والاقتصادية تشكل دولة داخل دولة، وهذا يتطلب نوعا من الدعم النقدي والعيني لكي تستمر هذه المؤسسات بالعمل. وهي وإن كانت قد تركت حكم غزة ظاهرياً لحكومة التوافق الوطني الذي تم تشكيلها في يونيو 2014م بناء على اتفاق الشاطئ الذي تم توقيعه في مايو 2014م فإن حركة حماس ما تزال تسيطر على جميع مفاصل الحياة في غزة فيما يشبه حكومة الظل، وذلك عبر وكلاء الوزارات الذين يتحكمون في كل صغير وكبيرة في غزة في ظل غياب واضح لصناعة القرار للحكومة الفلسطينية في غزة، فالوزراء سواء من يقيم في غزة أو يأتي إليها من الضفة يبدو وكأنه يمارس وجوده كضيف وليس صاحب قرار. وهذا ينطبق بشكل رئيس على وزارة الداخلية التي يرأسها رامي الحمد الله. والحقيقة إنه لا يملك أي قرار عليها. وهذا يعني أن حركة حماس ما زالت هي التي تحكم قطاع غزة فعلياً وبالتالي هي بحاجة للدعم المالي كونها حكومة ظل مسؤولة عن جيش من الموظفين المدنيين والعسكريين.
وفي الوقت نفسه يرى تيار قوي داخل حركة حماس أنها كحركة مقاومة تتعرض للعدوان بين الحين والآخر من دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث أنها تعرضت لثلاثة حالات عدوانية كبيرة خلال فترة حكمها لقطاع غزة منذ 2007م بخلاف الاجتياحات العسكرية التي تقوم بها آلة الحرب الإسرائيلية. وهي بذلك بحاجة إلى دعم عسكري. وهذا الدعم لن يقدم بالتأكيد من قطر وتركيا أو أي دولة عربية أخرى وحتى المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تناصب حركة الإخوان المسلمين العداء وفي الوقت نفسها تربطها بالولايات المتحدة علاقات وثيقة هذا إلى جانب أن بعضها مثل قطر تقيم علاقات سرية مع إسرائيل أما تركيا فإن لها اتفاقيات أمنية مع إسرائيل. ولا يمكن لحركة حماس الحصول على الدعم العسكري إلا من حزب الله وإيران. ولذلك شهدت العلاقات الحمساوية الإيرانية نوعاً من التقارب في الفترة الأخيرة بعد سنوات من انخفاض مستوى العلاقة بينهما بسبب الموقف الحمساوي مع سوريا. وقد دلت مؤشرات عن إمكانية حدوث تقارب بين حركة حماس والمملكة العربية السعودية. وهذا يبدو محاولة من المملكة العربية السعودية لجذب حركة حماس لصفها بعيدا عن إيران.
ويبدو أن حركة حماس الذي تحاول أن تلعب دوراً براغماتياً من خلال محاولة كسب الطرفين أي التقارب مع إيران وفي الوقت نفسه إحداث تقارب مع السعودية التي تمتلك ثقلاً سياسيا كبيراً في العالم العربي، ويمكن أن تفكفك إلى حد ما حالة التوتر بين حركة حماس والنظام السياسي المصري. ولكن هذه المحاولة من حركة حماس قد لا يكتب لها النجاح. فكما أسلفنا فإن العقل السياسي المشرقي لا يقبل الحلول الوسط، وأن حالة التعبئة والاصطفاف السياسي كبير. وربما تأتي الحالة المذهبية في قمة التحدي لحركة حماس. فإن العالم العربي والإقليمي يعيش حالة اصطفاف مذهبي غير مسبوق. حيث أن اقتراب حركة حماس من إيران يعني أنها اصطفت مع قوى المذهب الشيعي. حيث يتراجع هنا الموقف المقاوم إلى الحالة المذهبية التي تطفو على السطح اليوم. فقد شهد قطاع غزة قبل فترة تعليق يافطات إعلانية مدفوعة من قبل لجنة المقاومة لتحرير القدس، وهي لجنة مدعومة من إيران، وقد كتب على اليافطات الإعلانية " معاً مع إيران لتحرير القدس". فتعرضت هذه اليافطات إلى الحرق من قوى يعتقد بأنها سلفية جهادية. وهذا يعني أن الحشد المذهبي أصبح يقدم على الحشد المقاوم.
ولذلك جاء موقف حركة حماس من عاصفة الحزم موقفاً عاماً حيث أعلنت حركة حماس " أن الحركة تقف مع الشرعية السياسية في اليمن، وخيار الشعب اليمني الذي اختاره، وتوافق عليه ديموقراطياً، وأنها تقف مع وحدة اليمن وأمنه واستقراره، والحوار والتوافق الوطني بين أبنائه. وأنها مع أمن واستقرار المنطقة العربية دولاً وشعوباً، وترفض كل ما يمس أمنها واستقرارها". وهذا يعني أن موقف الحركة جاء تعبيراً عن عدم رغبتها في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. ولم تبرز حركة حماس موقفها الداعم للتحالف الذي تقوده السعودية والذي نال موافقة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية الذي جاء منسجماً مع قرار جامعة الدول العربية.
فحركة حماس بهذا الإعلان تريد أن ترضي المعسكر السني ولكن هل يقبل هذا المعسكر هذا الموقف العام. وهل تقبل إيران من حركة حماس هذا الموقف. نعود ونقول إن شدة الاصطفاف السياسي في العالم العربي والإقليمي يجعل حركة حماس في موقف لا يحسد عليه، ويبقى الحراك الداخلي بين تياراتها مشتعلاً لأن المنطقة تغلي على صفيح ساخن لا يقبل الحلول الوسط.

 

بقلم أ. د. خالد محمد صافي