صفقة الأسلحة التي أبرمتها مصر مع روسيا بقيمة ثلاثة مليارات دولار قبل فترة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، كون الصفقة تتعلق بعتاد عسكري بينها طائرات وغواصات في الوقت الذي كانت تعاني فيه البلاد من أحداث عنف داخلية، يومها اعتقد البعض أن مصر أرادت أن تبعث من خلالها برسالة إلى الإدارة الأميركية، المؤكد اليوم أنها كانت أبعد من مجرد رسالة، حيث فقدت الأنظمة العربية ثقتها بالحليف الأميركي بعد أن تكشف دوره في الأحداث التي شهدتها العديد من الدول العربية، يومها لم تدافع الإدارة الأميركية عن حلفائها في المنطقة بل عملت على الإطاحة بهم.
صفقة الأسلحة الروسية لمصر تكفلت دولة الإمارات بتغطية قيمتها بالكامل، ثم ما لبثت مصر أن أبرمت صفقة أخرى مع فرنسا تتعلق بشراء طائرات حربية مقاتلة متطورة، والصفقة الثانية تفوق بقيمتها الصفقة الأولى، ومن البديهي الاعتقاد بأن مصر التي تعاني من أزمة اقتصادية لا يمكن لها إبرام هذه الصفقة الكبيرة دون مساعدة مالية من الدول العربية، إن كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تحدث مؤخراً عن الحاجة لتشكيل قوة عربية مشتركة، فالمؤكد أن هذه الفكرة دخلت حيز التطبيق قبل الإعلان عنها بكثير، وأن صفقات الأسلحة الروسية والفرنسية إلى مصر تأتي في سياق ذلك.
الواضح أن فكرة القوة العربية المشتركة لم تولد من رحم الجامعة العربية، بل جاءت بتوافق بين بعض الدول العربية خاصة مصر والسعودية والإمارات، على أن تلحق بركبها في خطوة لاحقة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن، والتطلع لمشاركة دول من المغرب العربي فيها، وبطبيعة الحال سيبقى الباب مفتوحاً لمشاركة باقي الدول العربية فيها، ولعل الحرب على الحوثيين في اليمن "عاصفة الحزم" تأتي تطبيقاً عملياً للقوة العربية المشتركة، وهي بذلك فرضت ذاتها على أجندة القمة العربية في شرم الشيخ، بمعنى لا لبس فيه مفاده أن الدول العربية الحاضنة للفكرة ذاهبة في تطبيقها، وعلى باقي الدول العربية أن تقرر كل بمفردها إن كانت ترغب في الالتحاق بركبها أم تبقى خارج منظومتها.
قد لا تجد فكرة القوة العربية المشتركة إجماعاً داخل القمة العربية في شرم الشيخ، لكن المؤكد أنها ستحظى بدعم كبير منها، وأن غالبية الدول العربية ستعلن في القمة عن انضمامها إليها وإن كان بنسب عملية متفاوتة، وبالتالي لن تكون القمة العربية في شرم الشيخ كسابقاتها من القمم التي تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار والمناشدة والدعم النظري الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
قد تكون القوة العربية المشتركة بحاجة إلى الكثير من العمل الجاد والمشاركة العربية الفاعلة في تفاصيلها، كي تصل إلى مفهوم إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي بقيت على مدار عقود عدة حبراً على ورق، فإن كان الربيع العربي والدور الأميركي الفاعل فيه كان يهدف لإضعاف الجيوش العربية وتفتيت قدراتها من خلال الاقتتال الداخلي، فهل تنجح القوة العربية المشتركة والدول العربية من خلفها في صياغة حاضرها بعيداً عن تدخل الغرب وأن تقلب السحر على الساحر؟.