بعد إعلان القمة العربية في دورتها السادسة والعشرون لنتائجها بإعلان وتشكيل قوة عربية مشتركة للحفاظ على الأمن العربي ومواجهة التحديات المختلفة, ومع تركيزها على القضية الفلسطينية كأولوية عربية, فإن ذلك يتطلب العمل بجدية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بنيل الحقوق والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة, ولا يتم ذلك إلا بتحرك عربي على كافة الأصعدة ومنها تفعيل الثورة البيضاء ( المقاطعة الاقتصادية العربية للمنتجات الإسرائيلية ) وبهذه المقاطعة للمنتجات والبضائع وللشركات الإسرائيلية يمكن الضغط أكثر على دولة الاحتلال للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة, وعليه وعلى الرغم من أن حجم التجارة الخارجية الإسرائيلية مع الدول العربية منخفضة وتقترب من 6% ولا تزيد عن 5.5 مليار دولار فإن هذا لا يعني أن المقاطعة العربية ذات أثر ومردود قليل, إذ كانت المقاطعة شاملة وعدم اقتصارها فقط على التبادل التجاري فالمقاطعة سلاح قوي للتأثير على الاقتصاد الإسرائيلي إذا شملت مقاطعة الشركات الإسرائيلية والشركات التي تتعامل مع شركات إسرائيلية وكذلك في حال سحب الاستثمارات من أسواق المال العالمية والتي تهيمن عليها بعض الشركات المتقدمة الإسرائيلية وهي الشركات التي تعمل في صناعة الهايتك والصناعة التكنولوجية الحديثة, وعلى الرغم من أن التجارة الخارجية الإسرائيلية ذات أثر كبير في النمو الاقتصادي حيث اقتربت قيمة الصادرات الإسرائيلية نهاية العام 2014 قرابة 100 مليار دولار من أصل 291مليار دولار حجم الناتج المحلي الإسرائيلي, فإن هناك عدة عوامل ومحددات ذات تأثير كبير على الاقتصاد الإسرائيلي ومنها تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة والمنح والمساعدات , حيث تتدفق تلك الاستثمارات إلى إسرائيل بسبب حالة الاستقرار السياسي والتي شهدته إسرائيل بعد توقيعها لاتفاقيات السلام مع العرب ومنها اتفاقية كامب ديفيد مع جمهورية مصر العربية والتي حققت لإسرائيل منافع وفوائد عديدة ومنها تراجع موازنة الأمن من 30% إلى 9% وتوقيعها لاتفاقية الغاز والتي حققت لإسرائيل مكاسب اقتصادية مقابل خسارة للاقتصاد المصري الذي أصبح يستورد الغاز بدلاُ من تصديره, واتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 و التي انبثق عنها اتفاقية باريس الاقتصادية لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين الجانيين والتي ساهمت إلى حد كبير في تفاقم المشكلة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية وأخضعت السوق الفلسطيني بكافة مكوناته لما يحتاجه وبما يلاءم السوق الإسرائيلي ومن ابرز المكاسب التي حققتها إسرائيل من ذلك هو اعتماد سكان غزة والضفة على إسرائيل في العلاقات التجارية غير المتكافئة حيث تبلغ التجارة الخارجية الإسرائيلية مع الفلسطينيين قرابة 4500 مليون دولار وتشكل التجارة مع إسرائيل قرابة 70-80% إضافة لتداول الفلسطينيين للشيكل الإسرائيلي حيث تستحوذ الأراضي الفلسطينية على 10-8% من حجم الشيكل المصدر من البنك المركزي الإسرائيلية , وبهذه الاتفاقية والتي تلاها بعام اتفاقية وادي العربة مع الأردن تمكنت إسرائيل من تحقيق مكاسب اقتصادية جسيمة تمثلت بارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي ناجمة عن تدفق الاستثمارات الأجنبية وهجرة اليهود السوفييت وكذلك حالة الاستقرار والثقة بالسوق الإسرائيلي بعد توقف العرب ومنها دول الخليج عن المقاطعة الجزئية للشركات والمنتجات الإسرائيلية , وعليه فيمكن القول أن للمقاطعة العربية دوراً مهما في الضغط على إسرائيل إذا رافق ذلك عاصفة الربيع العربي للضغط السياسي العربي على إسرائيل وتجريمها دولياً ودعم مساعي السلطة الفلسطينية لإعلان دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م , والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية, وغير ذلك تبقى القرارات العربية بالمقاطعة جزئية وفردية وغير ملزمة في ظل عالم معولم وفي ظل غياب الإحصاءات الرسمية بحجم رؤوس الأموال العربية المستثمرة في الأسواق العالمية والتي تستحوذ عليها شركات إسرائيلية أو يديرها مستثمرون إسرائيليين , حيث تشير التقديرات أن حجم الصناديق السيادية العربية في الغرب نهاية العام 2014 بلغت 4.29 تريليون دولار من أصل 7.1 تريليون دولار كإجمالي الصناديق الدولية, وكون تلك المبالغ تستثمر في الأسواق العالمية فمن الأفضل سحبها وتوجيهها للاستثمار في الوطن العربي بما يخدم خطط التنمية الاقتصادية وبما يوفر الخيرات المادية لأكبر عدد من السكان, وعدم تركها عرضة للتقلبات والأزمات الاقتصادية واشتقاق الدروس من السنوات السابقة وأهما العام 2008والذي شهد أزمة مالية واقتصادية عالمية خسرت على أثرها الدول العربية 2.5 تريليون دولار وخسرت الصناديق السيادية في أيام 400 مليار دولار ,
وفي الختام فإن هناك ضرورة مُلحة للدول العربية بالإسراع في عاصفة الثورة البيضاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عربياً , وأن يرافق تلك العاصفة عواصف أخرى تتمثل بسحب رؤوس الأموال العربية في الخارج وتوظيفها في الوطن العربي , وإجراء تكامل اقتصادي والتكتل في وجه التكتلات الاقتصادية العالمية ومنع الهيمنة الغربية على موارد ومقدرات الدول العربية.
بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي/ غزة