حين عملت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على تعزيز حضورها وفعلها في الداخل الفلسطيني، بعد عودة الآلاف من الكوادر الفلسطينية نتيجة لاتفاقية أوسلو، وقامت على إثر ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية، وجدت الفصائل الفلسطينية نفسها مع بناء قوى فوق الأرض المحتلة، وأصبحت المقاومة بأشكالها تنطلق من داخل الأرض، وموجهة إلى الاحتلال، ولربما هذا هو السر الحقيقي خلف كل المرونة التي تم إتباعها بواسطة القيادة الفلسطينية منذ عشرين عاما وحتى اليوم.
وتنتقل القيادة الفلسطينية من مرحلة المفاوضات المباشرة والغير مباشرة والنقاشات والمطالب والتحدي والصعاب والاعتراف العلني أن (إسرائيل) لا تماطل فقط بل تتنكر لحقوقنا وتعادي كل الوجود الفلسطيني، ولهذا كان لابد من نقلة استيراتيجية تواجه الظلم الإسرائيلي والإجرام بحق شعبنا، كيف لا والآلاف من أبناء شعبنا الصامد يذبحون ويحرقون ويقتلون ويشردون كلما أرادت (إسرائيل) أن تخرج من عنق الزجاجة، وتعيد تشكيل الرأي العام الإسرائيلي ضد المطالب الفلسطينية المشروعة او المطالب الدولية الملحة، وكلما أراد احد قادة الاحتلال تحسين صورته بعد فضيحة اجتماعية أو لضمان نجاح انتخابي، يكون الفلسطيني هو الضحية ، وتندلع الحروب والعدوان وترتكب المجازر الدموية، وأمام كل هذا وجدت القيادة الفلسطينية نفسها في واقع مختلف ومصير فلسطيني ضاغط، فكان قرار الانضمام إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية، سواء رضيت (اسرائيل) أم لم ترض، وسواء هددت أو مارست بطشها وقرصنتها اولم تمارس، هذا قرار فلسطيني جامع، وهو في جوهره يعتبر أهم أداة فلسطينية قضائية تستند للتشريعات والمرجعيات الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال وفضح جرائمهم وتقديمهم للعدالة الدولية، ونعم ربما تستغرق النتائج فترة طويلة، ولكنها خطوة تنقل الصراع الى كل العام وعبر كل الإعلام والإعلان الدولي، ويبقى المجرمين متهمين في نظر العالم، وبالتالي تتحول المحكمة إلى وسيلة ضغط فاعلة ورادعة ومستمرة، يحتاجها الفلسطينيون في مسيرة كفاحهم ونضالهم وتعدد وسائل مقاومتهم حتى الحرية والاستقلال .
لقد وفقت القيادة الفلسطينية في قرار الانضمام، وكان اعتماد وتوقيع وتفعيل الأخ الرئيس محمود عباس للقرار الفلسطيني حازما ووطنيا، وقد دخل حيز التنفيذ في الأول من ابريل الحالي، ليتضمن طلب العضوية التحقيق في الجرائم والانتهاكات الإنسانية والقانونية ضد شعبنا الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة نتيجة عدوان بربري سافر وحاقد ومجرم، كانت نتيجته المأساوية أن قتلت القوات الإسرائيلية بأوامر من القيادات الإسرائيلية أكثر من 2200 فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء، وتم تدمير البنية التحتية والمنشآت الاقتصادية، وحرق المصانع وهدم المساجد، والأبراج السكنية الآمنة، وتجريف الأراضي وحرق المزروعات وانتهاك البيوت وتدميرها وسرقتها، في عدوان استمر 51 يوما بالرغم من كل نداءات دول العالم لوقفه والحفاظ على الحياة البشرية الفلسطينية، وفي الضفة الغربية ومع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية واستمرار الاستيطان وسرقة المياه والأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها بقوة الاحتلال وعربدة المستوطنين، وناهيك عن جدار الفصل العنصري والتهويد، وكل ما يعيق التواصل الفلسطيني الجغرافي لمنع قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
ان (إسرائيل) تدرك الخطر والعزلة التي ستواجهها دوليا، ويدرك قادة الاحتلال أن الطلب والعضوية الفلسطينية هي أمر واقع، وسواء قامت (إسرائيل) بإجراءات لعرقلة أو تسويف أو اعتراض القرار وتبعاته، فإن مجرد قبول الطلب يعني ولادة مقاومة فلسطينية دولية مستمرة وإضافة نوعية في مسيرة الاستيراتيجية الوطنية .
بقلم د.مازن صافي