اتفاق لوزان يخل بموازين القوى في الشرق الأوسط في ظل غياب موقف استراتيجي عربي

بقلم: علي ابوحبله

اتفاق الإطار الذي توصلت إليه إيران مع الدول الست الكبرى بشان برنامج إيران النووي يمثل حدثا تاريخيا ويشكل زلزال استراتيجي يخل بموازين القوى في المنطقة ، إن حقيقة ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب ودمار انعكاس للتمحور الإقليمي ضمن صراع النفوذ والقوى الذي تشكل إيران فيه احد أهم تلك التمحورات في المنطقة ، اتفاق لوزان يفضي إلى زلزال يخلخل التوازنات في المنطقة ويعيد تعريف موازين القوى في منطقه تعد انعكاس لصراع القوى الدولية والاقليميه ، هناك معايير بارزه نص عليها الاتفاق بين إيران والدول الست الكبرى وهو اتفاق سيكون ساري المفعول لمدة عشر سنوات تحت رقابة وقيود من مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، لقد وصف الرئيس الأمريكي اوباما الاتفاق بالتاريخي ، وان احتفالات الإيرانيين بالاتفاق وفق مفهومهم وتفكيرهم أن إيران أصبحت قوه نوويه ومعترف بها دوليا ، وان المجتمع الدولي وفق ما نص عليه الاتفاق سيقوم بمساعدة إيران في إعادة تصميم مفاعل أراك النووي الذي يعمل بالماء الثقيل مع السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة أي منشأه يشتبه بها من دون قيد أو عائق ، في مقابل ذلك ستواصل إيران عمليات التطوير والبحث على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها خلال مدة سريان الاتفاقية ووفقا للاتفاقات التي تتوصل إليها مع الدول الكبرى ، التزام إيران بهذا الاتفاق سيؤدي إلى رفع العقوبات ألاقتصاديه من مصرفيه ونفطية والتي كانت فرضت عليها من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وسيصار إلى بلورة قرار جديد في مجلس الأمن ، هذا الاتفاق لم يكن ليتبلور ويخرج الى حيز الوجود لولا توفر الاراده والديبلوماسيه للسياسه الامريكيه التي هي معنيه بالتوصل لاتفاق مع ايران ضمن محاولة الاداره الامريكيه لاستمالة واستقطاب ايران ضمن عملية الصراع على النفوذ في المنطقه ، لولا التشرذم العربي وانشغال النظام العربي بحروب بالوكاله عن امريكا واسرائيل ما كان لايران ان تصل لما وصلت اليه وتحقق تلك المكاسب ، ان العالم اليوم لا يتحالف الا مع القوي وان ايران تكتسب ثقة امريكا والاتحاد الاوروبي الذي فاوض ايران لسنوات واستطاعت ايران من تحقيق مكاسب اقليميه ، اتفاق لوزان شكل طعنه لدول الخليج والنظام العربي لان ايران دخلت نادي الكبار واصبح النظام العربي امام خيارات كلها صعبه ، نعم لقد اصبح العرب يواجهون خيارات كلها صعبة، وهم يدركون ان رفع العقوبات عن طهران لايمكن الا ان يقوي حلفاء ايران في المنطقة،. ان تحقيق توازن استراتيجي اقليمي في المنطقه لا يتم الا عبر التوقف عن الصراع العربي والتوقف عن خوض حروب الوكالة وكذلك تسييد لغة الحوار المذهبي والطائفي والإقرار بالحقوق المتساوية للجميع و السعي إلى برنامج نووي عربي مماثل للإيراني؟ ان اتفاق لوزان يخل بموازين القوى في المنطقة وأصبح لزاما على النظام العربي أن يصحو ويخرج من مستنقع الصراعات والحروب التي تشهدا سوريا والعراق واليمن ولبنان ومصر وذلك ضمن استراتجيه عربيه تقود إلى تصويب الوضع العربي وتعيد أولوية الصراع في المنطقة إلى ما كان عليه إن الولايات المتحدة الامريكيه لن تكون متحمسة أو مستعدة للتورط في مستنقع الشرق الأوسط مجددا؟ وان أمريكا في سياستها تسعى لإغراق المنطقة بحروب مذهبيه وطائفيه وهي تسعى لإغراق إيران بحرب مذهبيه مع المحور السني الذي تقوده السعودية ، الواقع أن ما يجب أن يعنيه هذا الاتفاق بالنسبة إلى الإيرانيين وبعض العرب في آن، هو حتمية البحث في إن كانت المواجهة الطائفية بينهما «مصيرا محتوما»، أم أن نجاح الحوار مع «الشيطان الأكبر» الذي لم تتحدث معه طهران لنحو خمسة وثلاثين عاما ادعى إلى السعي لإعطاء فرصة جديدة للدبلوماسية التي بدت المنتصر الأكبر في لوزان.الخبير في شؤون الجمهورية الإسلامية برنار اوركاد من المركز الوطني للبحث العلمي في باريس فيرى أن هذا الاتفاق يكرس هيمنة لاعبين “فاعلين كبيرين على الساحة الإقليمية هما إيران والسعودية”.وأضاف أن دول الخليج ستنظر إلى الاتفاق على انه “قلب الموازين كما لو أن الولايات المتحدة انتقلت إلى صف إيران”.لكن اوركاد تابع أن الاتفاق “سيجبر أيضا المتنافسين الرئيسيين أي الإيرانيين والسعوديين على الجلوس إلى طاولة أي انه سيكون له نتائج ايجابية”.فيما تدرك إسرائيل لمخاطر الاتفاق وتسعى لإقناع واشنطن للضغط على ايران للاعتراف بشرعية وجود اسرائيل ، تصريحات على لسان مسؤولين اسرائليين تنتقد الاتفاق وتصفه بالخطأ التاريخي ووفق بيان صادر عن مكتب نتنياهو فان الاخير ابدى خلال مكالمه هاتفيه مع اوباما معارضه شديده لاتفاق الاطار مع ايران واعتبره خطرا شديد على اسرائيل والمنطقه والعالم ،وقد انتقدت صحيفة واشنطن بوست الاتفاق مع ايران وذلك نظرا لسماحه ببقاء البنيه التحتيه النوويه لايران على حالها ، اما صحيفة نيويورك تايمز توضح ان اوباما سيواجه صعوبه في اقناع الكنغوكرس الامريكي اما صحيفة يو اس توداي رحبت باتفاق الطرفين الامريكي والايراني وان هناك تباين في الاوساط الامريكيه بين الديموقراطيين والجمهوريين ، رئيس مجلس النواب الامريكي جون باينر في بيان شديد اللهجه اعلن معارضته القويه للاتفاق التمهيدي قائلا ان معايير الاتفاق النهائي كما نشرها البيت الابيض تشكل فارقا مقلقا بالمقارنه مع الاهداف التي حددها البيت الابيض معربا عن قلقه حيال امكانية رفع العقوبات عن طهران في المدى القصير ، فيما صرحت منسقة السياسه الخارجيه في الاتحاد الاوروبي فيديربكا موغيريني من انه سيتم العمل من اجل صياغة قرار حول الحل الكامل وقالت نحن ملتزمون باتمام هذه الجهود وان الاتحاد الاوروبي سيرفع كل العقوبات عن ايران والولايات المتحده لم تفرض عقوبات ، كما قالت انه ستتم مساعدة ايران في اعادة تركيب مفاعل اراك على ان لا ينتج البلوتينيوم للاستخدام المسلح ، وفق التحليلات والتصريحات والتناقض في المصالح فان اتفاق لوزان يخل بموازين القوى في المنطقه مما يتطلب موقف عربي يقود لاستراتجيه وطنيه تاخذ في الحسبان المصالح القوميه العربيه والحقوق القوميه العربيه وعلى سلم اولوياتها القضيه الوطنيه الفلسطينيه لتعود لتتصدر الاهميه القصوى ضمن اعادة صياغة الاجندات العربيه ، ليس من المصلحه القوميه العربيه الاستمرار في الصراعات العربيه ومحاولات تغذية الصراع المذهبي ولن يكونضمن المصلحه القوميه العربيه التحالف مع اسرائيل او العمل ضمن محاور طائفيه تؤدي بالمنطقه لصراع ديني يخدم مصالح امريكا واسرائيل ويدمر مقومات المنطقه الاقتصاديه برمتها ، لا بد من اعادة النظر والتفكير جليا بمجمل السياسات العربيه واعادة صياغتها وفق المستجدات الدوليه خاصة وان امريكا وفق استراتجيتها ستخلي مسؤوليتها من منطقة الشرق الاوسط لتعيد ترتيب تواجدها وفق مصالحها الاستراتجيه في جنوب شرق اسيا لتكون قريبه من الصين وروسيا ، وان محاولات استراد ايران او اسرائيل او تركيا بمصالح وامن المنطقه ان يضر بالامن القومي العربي وهذا يتطلب اعادة صياغة الاستراتجيه العربيه ويتطلب وقف الصراع على سوريا واليمن ولبنان ومصر وتوحيد الصف العربي وفق استراتجيه تقود للحوار البناء مع ايران وتركيا وتشكيل لوبي ضاغط لاستعادة الحقوق الوطنيه الفلسطينيه ضمن استراتجية تقود لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقه بعيدا عن سياسة النفوذ والهيمنه وبعيدا عن سياسة الاخلال بتوازن القوى والذي هدف اتفاق لوزان لتحقيقها ضمن المسعى الامريكي الغربي .

المحامي علي ابوحبله