مصر وسَدّ النهضة
ضبابية الواقع وتخوفات المستقبل (6)
موقف مصر الإجتماعى والمائى
ربما تدفعنا خطورة الوضع الإجتماعى المستقبلى، بعد إتمام سد النهضة إلى إيجاز الحديث حوله فى نقاط مختصرة دون إسهاب.
فبعد إجماع الخبراء، كما سنعرض فى الحلقات القادمة، على الوضع الكارثى المتوقع سواء إن تم بناء السد أو تم هدمه، فليس لنا إلا أن ننتظر مجاعة ووضعاً إقتصادياً لا يكفى تعبير سىء لتقريبه الى الأذهان، الأمر الذى لابد أن يفرز حالات فوضى شديدة أمنية وسياسية، ربما تصل الى حروب أهلية مصرية على الماء.
إضافة، وهو الأهم، الى تآكل شرعية الحكم المصرى إذا عجزت الدولة عن ممارسة واجباتها ومقوماتها كدولة، وتفرغت، مضطرة، لقمع حالة الفوضى، دون طرح رؤية أو مشروع إنقاذى محدد لا تملك أدواته، مما سينتج عنه المزيد والمزيد من الإضطرابات، وظهور جماعات ضغط جديدة، بنوعية مستحدثة عن الجماعات المعتادة فى الشارع المصرى السياسى، سيكون هدفها تقسيم المقسم أو إنتزاع ما بيد الغير.
فالأمر سيكون بمثابة حرب وجود، ليس وجود الدولة فحسب، وانما وجود الفرد أولا إذا عجزت الدولة عن توفير إحتياجاته وأمنه، وإذا فقد الفرد وجوده، فقدت الدولة وجودها بالضرورة والتبعية.
أيضا لا يخلو الأمر من فقدان مشاعر العزة والكرامة المصرية التى حجزها سد النهضة خلف جداره العالى أو هو فى الطريق الى ذلك، والتى ستترك أثرها المدمر على وجدان أجيال عديدة من الأمة المصرية الى أن يشاء الله تعالى بإستعادة ذمام الأمور من جديد، وهو ما لن يحدث.
بالضبط كما لازالت نفس تلك المشاعر صانعة الإنتماء الوطنى تمثل جزءً كبيرا من وجدان الشعب الإثيوبى، أو حتى السودانى، تجاه مصر وعنصريتها وغزواتها منذ ما يقرب من 200 عاما، لم تستطع أن تمحو آثار إخضاع الغزوات المصرية ولا إستجلاب الرقيق.
الأمن المائى المصرى
ـــ حددت الأمم المتحدة خط الفقر المائى العالمى " "Water scarcityبواقع 1000 متر مكعب للفرد سنوياً، بينما حددت خط الفقر المائى المدقع "Acute water scarcity"بحصة أقل من 500 متر مكعب للفرد سنوياً.
أما عن الواقع المصرى، فقد أشارت تقارير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء 2009 الى الأرقام التالية حول نصيب الفرد من المياه فى مصر سنوياً :
• 1138 متراً مكعباً سنة 1986، 860 متراً مكعباً سنة 2003، 759 متراً مكعباً سنة 2007، 582 متراً مكعباً المتوقع سنة 2025
• إجمالي الموارد المائية المتجددة فى مصر عام 2006 بلغ حوالى 64 مليار متراَ مكعباَ، مقابل إحتياجات تصل الى 68.6 مليار متراَ مكعباَ.
• إجمالي الموارد المائية المتاحة المتوقعة فى مصر حوالى 71.4 مليار متراَ مكعباَ عام 2017 مقابل إحتياجات ستصل الى 86.2 مليار متراَ مكعباَ.
• نهر النيل يمثل المصدر الاساسي للمياه فى مصر بحوالى 55.5 مليار متراَ مكعباَ تمثل 86.7 % من إجمالي الموارد المائية المصرية، المتوقع أن تنخفض الى 80.5 % عام2017 .
• المتوقع ان يزداد إعتماد مصر على المياه الجوفية الى 18.4 % من إجمالي الموارد المائية المتجددة فى مصر عام 2017.
ملاحظات على التقرير:
• صدر التقرير عام 2009، بمعنى أنه لم يضع فى حساباته المستقبلية العجز الكبير، الحتمى، فى مياه النيل بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبى.
• تحدث التقرير عن الأسباب وراء التحديات المائية التى تواجه مصر، وحددها فى الزيادة السكانية المطردة الى جانب النمو الزراعى والصناعي وذلك فى مقابل ثبات الموارد المائية، فى حين أغفل، أو تغافل، عن النوايا الإثيوبية التى أعلنت عن نفسها على الأرض مع بداية الإعداد للمشروع أكتوبر 2009.
• يلاحظ أن متوسط الإنخفاض بين عامى 2003 و2007، بلغ 101 مترا مكعباً، وبإعتبار الزيادة السكنية المتضاعفة وعدم الإعلان عن موارد مائية جديدة فمعنى ذلك أن نصيب الفرد الآن بلغ الصفر !! وهو الأمر الذى يدفع الى الشك فى مصداقية التقرير الى حد كبير، حسب رأيى الشخصى.
مؤشرات الخطر
• مصر:
الحصة الثابتة من ماء النيل منذ سنة 1959 وحتى الان: 55 مليار متراً مكعباً سنوياً حسب إتفاقية 1959
عدد السكان سنة 1959: كان 25 مليون نسمة
عدد السكان سنة 2015 : حوالى 100 مليون نسمة
• السودان:
الحصة الثابتة من ماء النيل منذ 1959 وحتى الان: 18 مليار متراً مكعباً سنوياً حسب إتفاقية 1959 للسودان الموحد
عدد السكان سنة 1959: كان 12 مليون نسمة
عدد السكان سنة 2015: حوالى 35 مليون نسمة
ذلك مع ثبات كمية المياه فى حوض النيل "نظرياً" عبر التاريخ، رغم أنها تتناقص فعلياً بسبب:
أولاً: إستخدامات دول نهر النيل الأخرى
ثانياً: التغيرات البيئية والمناخية
ثالثاً: مشاريع ومطالب دولة جنوب السودان الجديدة، حوالى 10 مليون نسمة، والتى كانت تتشارك فى الـ 18 مليار متراً مكعباً، حصة السودان الموحد، حسب إتفاقية 1959
الدول الداعمة لبناء سد النهضة وعلاقاتها مع الدولة المصرية
ـــ يبدو أن العرب مازالوا خاضعين لثقافة القبلية التى لا تلقى بالاً بحجم الضرر أو نوعية المتضررين مقابل تحقيق رغباتها أياً كان نوعها، إنتقاما كانت أو تحقيقاً لمصلحة ما.
فقد نشرت صحيفة "العلم الإثيوبية" بتاريخ 31 يونيو 2013 شكراً عميقاً للدول الداعمة لمشروع سد النهضة، وعلى رأسها جاءت الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية والسعودية ! النبأ الذى تناقلته الصحف والمواقع الالكترونية، وللأمانة فلم يتسن لشخصى، كباحث، لا التأكد من صحة الخبر من جريدة العلم الإثيوبية نفسها لعدم وجود نسخة ورقية تحت يدى ولا موقع إليكترونى للجريدة، إلا أننى أيضاً لم أجد أى نفى من الدولتين العربيتين، رغم إتساع نطاق نشره إعلامياً.
فقد تناقلت وكالات الأنباء ما نشرته صحيفة العلم عن لسان المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية "بريخيت سمؤون" حول شكر بلاده العميق للدول الداعمة لسد النهضة، وعلى رأسها "إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات، والسعودية "، الأمر الذى إن صح، فيمكن أن يفسر الدعم على أنه كان احد أدوات الحرب الخليجية ضد مصر الإخوانية، أو لتحقيق مصالح إقتصادية فى إستيراد الكهرباء الإثيوبية المتولدة من سد النهضة، أو مصالح إستثمارية كديون أو خلافه على حساب مصر، الأمر الذى أشار اليه أيضاً وزير الرى السودانى فى احدى حواراته الصحفية !!
أيضاً السودان، الذى صرح رئيسه البشير، فى تأييد علني من جانبه لقرار إثيوبيا بناء السد، قائلاَ "إن سد النهضة الإثيوبي سيحقق فوائد ومنافع عديدة للسودان ولن يوقف المياه عن مصر"
أيضا دول مثل اليابان وتركيا، أو الصين التى تمثل السوق المصرية أحد أهم الأسواق العالمية لإقتصادها، ذلك رغم ما تردد عن قرار البنك الدولى بوقف تمويل السد لمخالفته القانون الدولى، إلا أننا لم نعرف آليات ذلك الوقف ولا فعالياته، فما زال السد يرتفع فى وجوه الجميع.
وننتقل مع حضراتكم الى إستعراض الجوانب القانونية للأزمة وإتفاقيات النيل عبر التاريخ، ومواقف دول المنبع فى الهضبتين الإثيوبية والإستوائية، وموقف دولتى المصب، ثم الموقف الدولى، وذلك فى الحلقات القادمة، إن أراد الله، ثم أذن مضيفونا وكان فى العمر بقية.
تنويه: سيتم نشر توثيق الدراسة ومصادرها الرسمية فى الحلقة الأخيرة بإذن الله
علاء الدين حمدى شوَّالى
[email protected]