مخيم اليرموك عنوان المأساة الحقيقية

بقلم: عباس الجمعة

الصراع الذي يشهده مخيم الصمود والعطاء "مخيم اليرموك" لم يشهد له مثيل حيث لا ينفصل عما تقوم عصابات الارهاب التكفيري المسمى بداعش والنصرة وغيرهم، عما ما تتعرض له سورية من قتل وارهاب وتدمير ، وما يجري من قتل وذبح لابناء الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك من قبل عصابات الارهاب الداعشية ، تنعكس مأساة فلسطينية جديدة، انسانية وسياسية ذات أبعاد استراتيجية، وهو ما يثير أسئلة جادة عن الأهداف الحقيقية لمن اجتاحوا المخيم أولا وهم يعرفون مسبقا ان العصابات تبيع مواقعها لبعضها البعض ، وهنا نقول لا يجوز الصمت على الجريمة التي ترتكب بحق شعبنا في مخيم اليرموك ، بل المطلوب من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية بدون استثناء العمل من اجل خوض معركة تحرير مخيم اليرموك رغم النتائج الفلسطينية الخطيرة التي سوف تترتب على "تحريره"، وهي نتائج لن تعفي احد من المسؤولية حتى لا ترتكب جريمة تاريخية بحق الشعب الفلسطيني.

إن الأبعاد الاستراتيجية لهذه الجريمة لاخراج اللاجئين الفلسطينيين عن حيادهم في الصراع الدولي والاقليمي والداخلي المحتدم على الأرض السورية هي أبعاد سوف تتجاوز كثيرا مساحة المخيم المنكوب ومساحة الوجود الفلسطيني بكامله في سورية، باعتبار ان مخيم اليرموك هو عاصمة مخيمات اللجوء الفلسطيني ديموغرافيا، وعاصمة المقاومة كونه قدم نصف شهدائها تقريبا خارج الوطن المحتل ، وكان نواة المقاومة المسلحة التي انطلقت منه، ومركز النضال الفلسطيني، ورمزا لحق العودة ، وان ما تنفذه العصابات الارهابية التكفيرية يأتي وفق المخطط الامبريالي الصهيوني الذي يستهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

امام كل ذلك نرفع الصوت عاليا من اجل انقاذ مخيم اليرموك ومخيمات شعبنا في سوريا ، ونتسأل اين العرب مما تتعرض له سوريا من مؤمراة اصبحت مكشوفة للجميع وهي تتصدى وحدها للارهاب ، ونقول لهم ان الجريمة التي ترتكب في مخيم اليرموك هي موضع المساءلة والمحاسبة للدول العربيه امام شعوبها التي لا تزال تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية في وقت تتمنى الأنظمة أن يبتلعها النسيان أو تقود ما تسمى "عملية السلام" إلى التخلص من “كابوسها” الذي يؤرق منام حكامها ويهدد الاستقرار الاقليمي الذي يضمن بقاء أنظمتهم.

إن مخيم اليرموك الذي يتعرض للالغاء بين ليلة ظلماء داهمه فيها عصابات ارهابيه ،وبين ضحاها الذي أشرقت شمسه على عشرات الآلاف من لاجئي المخيم االتي ترى علامات اليأس على وجوههم في مصير مجهول لا يجدون فيه أي ملاذ آمن مما يصفه المراقبون بالنكبة الثانية لهم.

من هنا نؤكد ان إلغاء الدور التاريخي والوطني والرمزي لمخيم اليرموك يكمن في أن مثل هذا الالغاء لا يخدم فقط من يريدون التخلص من أرق النكبة ورموزها وكل ما يذكر بها من الدول العربية المسؤولة عنها وعن استمرار نتائجها.

إن ما يتعرض له مخيم اليرموك من قبل عصابات داعش والنصرة ومن معهم يخدم الاحتلال الصهيوني ،بهدف انهاء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم حيث يوجدون أو تشتيتهم في

جهات الأرض الأربع، من أجل تشتيت قواهم وتمييع مطالبتهم بحق العودة، لذلك ندعو وكالة الأونروا باعتبارها رمزا أمميا لمسؤولية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن النكبة الفلسطينية ان تقوم بدورها وتتحمل مسؤولياتها .

وفي ظل هذه الاوضاع الخطيرة نقول لا يمكن ان يدق احد اسفين بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين حاضنتها السورية التاريخية، فسوريا التي احتضنت الشعب الفلسطيني وعاملته متل مواطنيها يجب ان تقدر على مواقفها ، ولا يمكن ان يكون المخيم الفلسطيني ثمنا سهلا لعصابات ارهابيه ترتكب ابشع المجازر.

ما يجري اليوم في مخيم اليرموك ما هو إلا شاهداً على حقيقة الصراع الإقليمي بين ممولي المجموعات الإرهابية وهو دليل على مدى التورط في ذلك الدعم وهنا لابد من التذكير بصمت المجتمع الدولي جراء ما يجري على أرض الجمهورية العربية السورية، ولا جدال أن هذه الحركات التي تنضوي تحت راية 'الاسلام ' تمثل الجهل والتخلف والإرهاب والتكفير والتخوين والقمع والاستبداد ، وتمارس الإجرام الدموي الوحشي والقتل الجماعي والذبح والسبي والنهب والخراب والاغتصاب وجهاد النكاح وقطع الرؤوس وتحطيم تماثيل رموز ثقافتنا وأعلام نهضتنا الثقافية والعلمية العربية ، والقيام بالعمليات االارهابيه التي يذهب ضحيتها أناس أبرياء لا ناقة ولا جمل لهم ، عدا عن عمليات التهجير القسري التي طالت أبناء مخيمات شعبنا في سوريا ، حيث يتعرض مخيم اليرموك لمأساة حقيقية تتمثل بعمليات القتل والاستهداف والتشريد والحصار وانهم باتوا في ظروف صعبة تتهدد حياتهم بعد ان قضى العديد منهم جوعا.

ختاما : مخيم اليرموك يصبغ اليوم بالدم الأحمر القاني، ويصبغ بلون فلسطين، فلنوجه مخاطر تفكيكه وتفكيك رمزيته، فهو يستحق منا العمل على بلورة موقف جامع لتحريره ، فيكفي ما قدمه المخيم من تضحيات وشهداء كانوا يتطلعون الى العودة لديارهم على ارض فلسطين ، فالتحية لمخيم اليرموك أول الرصاص أول الثورة المعاصرة، شهيد فتح الأول أحمد موسى وشهيد جبهة التحرير الفلسطينية الأول خالد الأمين ، مخيم الإستشهادي الأول في المسيرة الفلسطينية المعاصرة الشهيد منير المغربي قائد عمالية الخالصة (كريات شمونة)، مخيم الشهداء القادة ابو العباس وابو العمرين وحفظي قاسم وكل القادة المناضلين الشهداء من ابناء المخيم الذين عاشوا وتقاسموا المر والحلو ورغيف الخبز ، وهو منا احتضن في ثرى ترابه الشهداء القادة ابو جهاد الوزير وطلعت يعقوب فلهذا المخيم ابعاد ورموز ودلالات ومعاني في قلب ووجدان الفلسطينيين المشردين والمهجرين الحالمين بالعودة الى ارض فلسطين ، والمتعطشين للحرية والفرح والشمس.

بقلم/ عباس الجمعه