استنفر جيش الاحتلال أفراده بحثاً عن مستوطن اختفت آثاره على مقربة من قرية شمال الخليل حسب رواية زميل له كان برفقته، رغم ما شاب رواية زميله من شك في فحواها، إلا أن جيش الاحتلال لم يتوان عن توصيف الاختفاء باعتباره اختطافاً على خلفية قومية، وتحرك بقواته لمحاصرة المنطقة وفرض طوقاً أمنياً عليها، وبدأت أجهزته الأمنية بإعداد قوائم الاعتقال التي قد تتعدى المنطقة الجغرافية المحيطة بالمكان، ورغم أن قطاع غزة يبتعد كثيراً عن المكان والغالبية العظمى من سكانه لم يسبق لهم أن مروا عليه، إلا أن ذلك لم يمنعهم من استرجاع مشهد الحرب الأخيرة على غزة.
المهم أن قرية "بيت عينون" كتمت أنفاسها في انتظار ما يفعله جيش الاحتلال بها، الذي عادة ما يحمل في مثل هذه الظروف الطابع الانتقامي الذي يطال البشر والحجر، والمهم أيضاً أن الفصائل الفلسطينية لم يسارع أي منها لتبني الاختفاء أو الاختطاف، بعد ساعات من الاستنفار من جهة وكتم الأنفاس من جهة أخرى، عثر على المستوطن داخل مستوطنة كريات أربع، لم يتم اختطافه على خلفية قومية ولم يختف بحثاً عن الهدوء، بل بحثاً عن اهتمام صديقته، يريد أن يستعطف قلب حبيبته عليه، حتى وإن كتب مشهد حبه لها على آلام قرية بكاملها.
ماذا لو تأخر العثور عن العاشق لبضع ساعات أخرى، ما الذي يمكن أن تفعله قوات الاحتلال بقرية بيت عينون والمناطق المحيطة بها؟ وماذا لو صدقت حكاية أهل القرية عن الجان التي تقطن عين المياه ضمن الميثولوجيا المحلية التي أكسبت القرية الكثير من الشهرة، والتي تتناول قصة عبد القدوس الذي أراد أن يملأ قربته من ماء العين، فحدث أن قام احد الجان بإفراغها، وهو ما دفع عبد القدوس للاعتقاد بأن ثمة أمرا مريبا في المكان، لم يلبث أن تحول إلى شجار بينه وبين الجان، نتج عنه أن قام بقتل أحدهم قبل أن يفلت من عقابهم، ومن يومها صنع لنفسه حجاباً يقيه من غضب الجان، وحدث ذات مرة أن نسي عبد القدوس حجابه، فانقض عليه الجان وسافروا به إلى مصر ليقتصوا منه هناك.
ماذا لو فعل الجان بالمستوطن العاشق ما فعلوه بعبد القدوس، واختفت آثاره إلى غير رجعة، ما الذي سيطال القرية من عقوبات وإلى اي مدى ستتوسع جغرافية العقوبات والانتقام؟ وهل سيطال غزة النصيب الأكبر من الدمار والقتل كما كان في المرة السابقة؟.
لا يعنينا إن كان العاشق استطاع أن يستحوذ على قلب معشوقته من وراء مسرحيته سيئة التمثيل والاخراج، لكن ما يعنينا أننا على مدار عقود عدة مارس جيش الاحتلال قتلنا ودمر مقدراتنا بفعل الكراهية التي تستوطنه، وإن كنا وما زلنا ندفع من دمنا ومقدراتنا ثمناً لكراهيته تلك، فهل بات علينا اليوم أيضاً أن ندفع فاتورة العاشقين من مستوطنيه؟، وإن تكشفت فصول المسرحية هذه المرة قبل أن ندفع نحن الفاتورة، فما الذي يضمن ألا ندفع نحن ثمن فاتورة عاشق آخر.
بقلم/ د. أسامة الفرا