منذ بداية الازمة في سوريا والاطراف المتناحرة على الارض تحاول جر الفلسطينيين بسوريا لأتون الصراع السوري وتحاول استخدامهم ادوات لغرض الصراع الداخلي الا ان سياسة الفلسطينيين هي عدم السماح لأي طرف كان الزج بهم في الصراع الدائر ليس في سوريا وانما باي مكان داخل حلقات الصراع الداخلي بالعالم العربي , انتهك شرف المخيم اكثر من مرة من قبل اطراف تقاتل النظام في سوريا وطال هذا الانتهاك العديد ممن ابناء المخيم ونساءه وأطفاله وعلى اثرة استشهد اكثر من 200 من ابناء المخيم , حوصر المخيم ومنعت المعونات الاممية من الوصول الى اهله بل وسرقت وتم توزيعها على المحسوبين على هؤلاء او تلك الميلشيات واكل اللاجئون هناك القطط والكلاب واوراق الشجر , انتشر المسلحين في كل الطرقات وفوق الاسطح والبنايات والمساجد واصبح المخيم ساحة قتال , سعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حينها جاهدة لإخراج المسلحين باي طرق امن لتحييد المخيم والنأي به بعيدا عن الصراع في سوريا و بالفعل نجحت قيادة المنظمة في ذلك ,وبقي ابناء المخيم المسلحين من تنظيم اكناف بيت المقدس وبعض عناصر من جبهة النصرة التي تحالفت معهم لحماية المخيم وبعض من عناصر تنظيم العهدة العمرية داخل المخيم بل واحترم عسكر النظام الى حد ما ما توصلت اليه منظمة التحرير من تفاهمات مع جميع الاطراف .
كان بإمكان هذه التنظيمات لو بقيت في الحضن الفلسطيني ان تحمي المخيم وتحمي ابنائه من القتل والذبح الذي يحدث اليوم على يد تنظيم داعش ,لكن للأسف يبدوا ان بعض من هذه التنظيمات باعت المخيم واهلة وباعت فلسطين وقدسها وقبضت الثمن وحدث ما حدث من سيطرة تنظيم داعش على اكثر من 90بالمائة من المخيم , اليوم التالي بالطبع لسيطرة التنظيم اتضحت خارطة التحالفات الجديدة فلم يبقي يدافع عن العشرة بالمائة من المخيم سوي بعض المسلحين لمنظمة التحرير الفلسطينية وتنظيم اكناف بيت المقدس الذي يتكون معظم عناصره من حركة حماس, استيقظ اهل المخيم على الفاجعة الكبيرة وبحور الدماء بشوارع المخيم والرؤوس المقطوعة للرجال وحتى الاطفال وما كانوا يشاهدوه بالتلفزيون اصبح ينفذ بحقهم , لم يحدث ان قتل ابناء المخيمات بهذه الطريقة البشعة حتى على يد الاحتلال الاسرائيلي ابان حروب التهجير او حتى ذبح الفلسطينيين بسكين يدعي صاحبها حرصه على العقيدة ,لكن الحرب الحالية استباحت المخيم ونساءه ورجاله بدعوي الجهاد ضد النظام في سوريا واستبيحت كل المحرمات تحت زريعة ان المخيم راس الحربة التي ستضرب العاصمة دمشق وتسقط النظام, دون ان يعلم هؤلاء المجاهدين ان الطريق الى القدس لا يمكن ان يكون ثمنها المخيم او حتى جزء من المخيم .
رحل الناس من المخيم من جديد وتجددت النكبة في ذات الصورة وبأكثر من وجه , هناك في مخيم في اليرموك رحل اللاجئين هاربين من الموت الذي يلاحقهم من شارع الى اخر وهنا في غزة رحلوا من الموت الاسرائيلي و مازالوا راحلون كل هذا و العالم يتفرج بصمت فلم يحدث منذ النكبة وحتى الان ان تحرك الضمير العالمي ودافع عن هؤلاء العزل , اليوم يتم تصفية المخيم ويرحل اللاجئين الفلسطينيين امام سكين دعاة العقيدة لينجوا من القتل وقطع الرؤوس وينتهي اليرموك ويصبح كأنه لم يكن محطة انتظار العودة للوطن ,عمل لا يمكن باي حال من الاحوال ان يفسر سوي انه عمل يخدم اسرائيل بالدرجة الاولى ويجعل منها المفتاح الذي يشغل كل التيارات الخارجة عن القانون المذهبي والقانون الوطني والقانون الدولي الانساني, اليوم مأساة مخيم اليرموك كشفت عورة الجميع واولها الفصائل الفلسطينية التي عجزت بعد ستون عاما من الثورة عن توفير حماية لهؤلاء اللاجئين حتى لو كانت بقوة السلاح, لان الفلسطينيين جربوا حماية المخيمات من قبل قوي غير فلسطينية او قوي تتبع اجندات وانظمة اخري , وجربوا الحماية الدولية التي لا تستطيع ان تنفذ ما تتخذه من قرارات فلا قرارات نفذت او منوي تنفيذها لتعيد اللاجئين الى ديارهم وكأن 181 و 194 قرارات لم تكن و ماهي الا حبر على ورق , نعم مأساة اليرموك كشفت عورة الامم المتحدة ومجلس الامن الذي لا يستطيع ان يوصي بأكثر من دعوة جميع الاطراف لإيجاد ممرات امنه للمدنيين الفلسطينيين لدخول المعونات الانسانية ليأكل من بقي على قيد الحياة الى حين الهروب من وجه الموت.
واشنطن التي تتجاهل اي حلول عادلة للصراع تُمكن فيها ابناء المخيمات بالمنافي للعودة الى ديارهم التي هُجروا منها كُشفت عورتها النتنه لأنها لا تريد ان تقول كلمة حق في الصراع ولا تريد سوي ان تحافظ على الكيان الاسرائيلي وحقوق الإسرائيليين دون ادنى حقوق للفلسطينيين , كما وان مأساة اليرموك كشفت كم هي الهيمنة على القرار الدولي مأساة وكم هي حياة الانسان الفلسطيني بلا ثمن وكم كرامته لا معني لها , الانظمة العربية ايضا كشفت سوءتها لأنها لا تستطيع فهم المؤامرة التي تنفذ اليوم للعبث في الامن والاستقرار بالعالم العربي لتنفيذ مخطط التقسيم والتمزيق الصهيوامريكي ولا تستطيع التخلي عن حماية مصالح واشنطن والاصطفاف وراءها في ظل استمرارها بالهيمنة على القرار الدولي لصالح الوجود الصهيوني ليس بفلسطين وحدها اليوم بل بقاء اسرائيل قوية متفوقة في المنطقة العربية وفوق كل اعتبار, لعل مأساة اليرموك ايضا كشفت عورة كافة الجماعات التي تتلحف بلحاف الدين الاسلامي وتبرر القتل والذبح تحت تهم الردة والخروج عن المله لأنها لو بالفعل وجدت لتدافع عن ارض الاسلام وكينونته لدافعت عن القدس واهل القدس وفلسطين و وجهت بندقيتها الى حيث يغتصب اليهود الارض والتراث والدين والمقدسات .
بقلم/ د.هاني العقاد