من يكره غزة لا تحبه فلسطين

بقلم: فايز أبو شمالة

رصدت جملة من التصريحات المتشنجة لعدد من القيادات التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي ربما كان لبعضهم ماضٍ نضالي، وكانو جزءا من الثورة الفلسطينية حتى سنة 1982، ولكن بعضهم الآخر لا علاقة له بالمقاومة، ولم يسمع باسمه أحد من الشعب الفلسطيني، لأنه لم يمسح يوماً فوهة بالبندقية بطرف ثوبه، ولم يذق للسجن طعماً، ولم يودع شهيداً من لحمه ودمه، ولم يعذبه جرح الوطن، تصريحات كبيرة الحجم لأسماء تظن نفسها كبيرة، ولكنها صغيرة المضمون؛ لأن الالتفاف الشعبي هو الذي يعطي للحديث معانيه.
لقد أجمعت التصريحات على رفض قيام دولة فلسطينية في غزة، واعتبروها مؤامرة رتبها شارون سنة 2005، ويشجعها الإسرائيليون لتصفية القضية الفلسطينية.
فأين هي القضية الفلسطينية التي تتحدثون عنها؟ أين القدس؟ وما مصير المقدسات؟ ماذا تبقى من أرض فلسطين لم تدنسه أقدام الصهاينة، ولم تطوقه المستوطنات؟ ماذا تبقى من الوحدة الوطنية، ومن الإجماع على تحرير فلسطين؟ أين نابلس ورام الله من مظاهرات الخليل، وأين أريحا من تصفية المخابرات الإسرائيلية للمقاومين في جنين وطولكرم؟ لقد مزقتم الشعب وأضعتم الأرض، وذبحتم القضية، وتحركت شهوتكم لتنفث سمومهما في جسد غزة المقاوم.
يا قادة الفصائل الفلسطينية الذين كتبوا كتابهم على قضيتنا الوطنية من المهد إلى اللحد، إن صح ما تقولون عن دولة غزة ـ والتي لن تأذن إسرائيل بميلادها ـ إن صح كلامكم، فلماذا وافقتم في المجلس الوطني على قيام دولة فلسطينية على أي شبر يتم تحريره من أرض فلسطين، هل كان المجلس الوطني خائناً أم كنت في غيبوبة عن معاني القرار؟.
أين كنتم يا قادة الفصائل حين جرت مفاوضات أوسلو السرية التي خرجت علينا بالاتفاقية المذلة؟ ولماذا صفقتم لها، وما زلتم تسجدون في محرابها السياسي رغم ظهور عورتها؟ وهل ظل شيئاً لتتنازل عنه غزة بعد أن تنازلت أوسلو عن 78% من أرض فلسطين؟.
عشرون عاماً من المفاوضات العلنية والسرية ومن التنسيق الأمني الخفي والمعلن لم تثر نخوتكم، فلماذا دبت فيكم الحمية حين سمعتم عن مفاوضات تهدئة بين حركة حماس مع إسرائيل؟ فإما أن تكون كل المفاوضات مع اليهود حرام، وإمأ أن تكون كل المفاوضات حلال.
وهل المفاوضات التي تجريها القيادة الفلسطينية تتم بالتشاور مع كل قوى الشعب الفلسطيني؟ ألم تسمعوا عن المشروع المقدم لمجلس الأمن من خلال وسائل الإعلام، وقد جرى التعديل عليه في فرنسا دون أي معرفتكم يا قادة الفصائل الحاضرين أول الشهر؟.
وماذا تفعلون لقيام الدولة الفلسطينية وتحرير الأرض غير انتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية لتبدءوا المفاوضات من جديد، في الوقت الذي لا توجد أي قوة عسكرية في أيديكم، فإن صح كلامك عن مفاوضات تجريها حركة حماس، فدعونا نجرب مفاوضاً فلسطينياً يمتلك الصواريخ التي تضرب تل أبيب، ويفرض منع التجول على نصف سكان إسرائيل.
وماذا فعلتم من أجل سكان غزة كل تلك السنوات الطويلة من الحصار؟ هل طالبتم السلطة بوقف التنسيق الأمني حتى يصير فك حصار غزة؟ هل قررت منع مئة ألف عامل من الضفة الغربية يعملون في إسرائيل وفي المستوطنات، حتى يجد إخوتهم في غزة رزقهم؟.
وماذا فعلتم لمنع السيد محمود عباس من التفرد بالقرار السياسي، هل وقفتم في وجهه؟ هل عمل لكم حسبا؟ فكيف تطلقون يد عباس وتغضبون من حركة أصابع حماس؟
وأين غضبكم وموقفكم من التحقير والإهانة لقرار مجلسكم المركزي، ألم تقرروا وقف التنسيق الأمني، فهل طبق محمود عباس قراركم؟ وماذا فعلتم أمام تحقير موقفكم؟.
لقد تم قبول طلب فلسطين عضواً في محكمة الجنايات الدولية، فلماذا لم تحاسبوا المسئول عن عدم التحضير المسبق لملفات الاتهام للإسرائيليين؟ وإذا كانت ملفات الاتهام جاهزة، لماذا تتأخرون يوما واحداً في التقدم بالشكوى لمحكمة الجنايات الدولية؟.
الجعبة ممتلئة، ولكنني أكتفي بهذا القدر، لأدعو حركات المقاومة في غزة إلى التواصل مع كل الأطراف العربية والإقليمية لتحقيق تهدئة طويلة الأمد في غزة، ولتثبيت شخصية المقاومة عنصراً مؤثراً في الواقع الفلسطيني، بعيداً عن السياسة الفلسطينية التقليدية التي صار قرارها أسيراً لمفاوضات عبثية؛ يديرها بشكل شخصي بعض الموظفين في مكتب محمود عباس.