لسنا ندري بالضبط لماذا انفجر على نحو واسع الاهتمام بما يجري وما يتعرض له مخيم اليرموك ونزلاؤه الذين لا يزيد عددهم على خمسة عشر ألفاً، من أصل ما يقرب من أربعمائة ألف كان منهم حوالي مئة وثمانين ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين.
هي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المخيم لهجمات واجتياحات تنظيم الدولة الإسلامية، أو جبهة النصر، وجماعات أخرى بأسماء كثيرة، فلماذا هذه المرة، يثير وصول مقاتلي تنظيم الدولة إلى شارع لوبيا، على الأطراف الشمالية من المخيم، والقريب من منطقة الزاهرة ـ حي الميدان، اللذين يعتبران من أحياء دمشق العاصمة. بالتأكيد لا تؤشر هذه الضجة على صحوة ضمائر ولا على الاستجابة لنداءات الاستغاثة التي تصدر دون انقطاع عن الضحايا، الذين انقطعت السبل، أمامهم، للنجاة بأرواحهم، داخل المخيم، أو من خلال الهرب إلى المجهول.
هي ضجة بالنسبة لوسائل الإعلام العربية والدولية، التي لم تبد اهتماماً ملحوظاً بقضية اللاجئين الفلسطينيين في سورية، إلاّ حين تعالت أصوات المسؤولين الدوليين، والفلسطينيين، واختلط نحيب سكان المخيم، مع نحيب كاذب، يصدر عن أكثر من طرف، لكأن الأمر يتعلق بحالة وداع، ونقطة فارقة إزاء قضية كانت موجودة، عبر رموز قوية على الأرض، تتجه اليوم نحو الزوال، المحتوم، الذي رسمت بداياته أياد ليست خافية على من يملك بصراً وبصيرة سوية.
مخيم اليرموك ليس قضية جغرافيا، أو قضية اجتماعية أو اقتصادية، وهو ليس قضية إنسانية وحسب، بل انه قضية سياسية، وحق أقرته الشرائع الدولية، واحتفظ الفلسطينيون به أينما حلّوا أو رحلوا، وهو اليوم يتعرض للتبديد، ونقصد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم الأم فلسطين.
بعد فوات الأوان، تهب المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، ونائب المبعوث الدولي إلى سورية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وآخرون للبحث عن حلول ليس عنوانها إنقاذ القضية، وإنما كيفية مساعدة من تبقى من اللاجئين لتأمين خروجهم من المخيم، أو إيصال مواد إغاثية لهم، إن لم تنجح محاولات إخراجهم.
البحث محصور بالحديث مع الطرف السوري الرسمي، وكأن أصابع الاتهام تتجه نحوه إزاء ما تعرض ويتعرض له سكان المخيم، فإذا كان الأمر منوطاً بالنظام فلماذا يمتنع أهل النظام عن حماية سكان المخيم أو عن تأمين ما يحتاجونه من الدواء والغذاء والماء إلى حين لحظة الفرج؟
هذا يعني أن المخيم وسكانه مستهدفون من كل الأطراف المتصارعة، فالمعارضة تسعى لاجتياح المخيم، على جثث منه فيه حتى تصل إلى أطراف العاصمة دمشق، وإلى أقرب نقطة من القصر الجمهوري، أما النظام فهو يسعى إلى دفع الفلسطينيين تحت ضغط هجوم المعارضة من أجل الانحياز لصالحه، وإرغام الفلسطينيين على حمل السلاح لتأمين جبهة المخيم بأمل أن يتوسع هذا الدور، طالما أنه لا يبتعد كثيراً عن مخيم سبينه، الذي يقطنه لاجئون فلسطينيون، مروراً بمناطق التقدم والحجر الأسود وأحياء أخرى تتواجد فيها الجماعات المعارضة.
بعض الفصائل الفلسطينية كانت قد لبّت نداء النظام مبكراً، وبعضها يقوم بمبادرات ذاتية انطلاقاً من رؤية خاصة به، ولكن كل هذا لم يسعف أهل المخيم، ولم يكن ليمتلك القدرة على حمايته، ولكن ذلك لم يكن في كل الأحوال ذريعة للقوى التي تستهدف إسقاط النظام حتى تجتاح المخيم فهي ستفعل ذلك في كل الأحوال.
تصر منظمة التحرير الفلسطينية ومعظم فصائلها، على مواصلة سياسة تحييد الفلسطينيين، وترفض الانسياق وراء دعوات النظام لحمل السلاح دفاعاً عن المخيم.
الموقف في هذه اللحظة صحيح، لأن المخيم لم يعد مخيماً، وسكانه من اللاجئين الفلسطينيين قد أخلوه مبكراً وتباعاً، ولذلك فإن حمل السلاح اليوم بذريعة الدفاع عن المخيم هو أمر ينطوي على انحياز لصالح النظام لأن المخيم تحول إلى خراب، وإلى ساحة حرب فارغة تقريباً من البشر.
هذا الموقف السليم اليوم لم يكن سليماً بالأمس حين كان المخيم يضج بالحياة، ومليئاً بالسكان، وكان يحتاج إلى الحماية التي لا يؤمنها لهم سوى الفلسطينيين أنفسهم.
لا يوجد طرف في سورية حريص على بقاء اللاجئين في مخيماتهم وكل طرف سعى لاستمالتهم لصالحه، وإلاّ فليسم أهله العذاب ولا بأس إن دفعوا ثمن صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
نتساءل اليوم عن جدوى سياسة الحياد، وتحييد الوجود الفلسطيني رغم كثافته، ورغم أنه يشكل كتلة فاعلة في المجتمع السوري وكانت التجمعات الأخرى على تواضع أعدادها، تشكل عوامل فاعلة في المجتمعات المضيفة. النتائج الملموسة تتحدث عن نتائج هذه السياسة البائسة، التي بقصد أو دون قصد، تخدم مخططات مقروءة للقيادات الفلسطينية، تستهدف تبديد اللاجئين لنسف الأساس الذي تقوم عليه حقوقهم في العودة.
بعد أن فشلت سياسات توطين الفلسطينيين في غير مكان لم يعد أمام القوى الاستعمارية التي تحركها أصابع صهيونية، سوى الجراحة، في ظروف تاريخية مناسبة تشهدها المنطقة العربية برمتها.
لا ينفع الندم أو النحيب اليوم، ولا تغري الفلسطينيين دعوات التدخل من أجل حماية المخيم، لكي يعود إليه سكانه، فسكانه لم يعودوا موجودين في منطقة معلومة، والصراع مستمر دون آفاق.
وسؤال اليوم هو هل ستكرر منظمة التحرير والفصائل هذه السياسة البائسة، حين يأتي الدور على التجمع الفلسطيني الذي يناهز عدده الثلاثمائة ألف، يعيشون حياة مزرية في مخيمات لبنان؟
طلال عوكل
13 نيسان 2015