بعد 13 عاماً من طموح بدا ضخماً لربط قناة بين البحار الأحمر والأبيض المتوسط والميت، تحت اسم "قناة البحار"، بمشاركة كل من إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، بدأ الآن يتضح تقلص هذا "المشروع الضخم" إلى مجرد مشروع صغير جداً، يقتصر على "تبادل مياه" بين إسرائيل والأردن، وذلك من خلال مشروع تحلية، قد يقام بعد 5 سنوات في أقل تقدير. ولم يتبق من كل الاقتراحات الضخمة اليوم، سوى اتفاق متواضع جرى التوقيع عليه في السادس والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، بين إسرائيل والأردن، ويهدف أساساً إلى إقامة مشروع لتحلية مياه البحر في العقبة.
كما تبين أن المشروع، الذي كان الهدف من إقامته منع جفاف البحر الميت، لن يحقق ذلك، كما أنه لن يكون باستطاعته تثبيت مستوى المياه الذي يواصل الانخفاض بشكل مقلق، وتوفير مياه الشرب والكهرباء للأردن والفلسطينيين، والدفع بما يسمى "السلام الإقليمي" إلى الأمام. حيث إنه سيزود البحر الميت بنحو 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، في حين تتراجع كمية المياه في هذا البحر، بمعدل 1.6 مليار متر مكعب سنوياً.
وفي ترجمة عملية لانخفاض مستوى التوقعات من المشروع، أشار تقرير نشرته صحيفة "معاريف" يوم الأربعاء الأول من نيسان (أبريل) الجاري، إلى أن منظمات البيئة التي عارضت المشروع لم تتأثر بالاتفاق، كما توقعت وزارة حماية البيئة أن المشروع لن ينقذ البحر الميت، وأن كمية المياه التي يتوقع أن تتدفق إلى البحر الميت لن تتجاوز 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وهي أقل بكثير من الكمية المطلوبة للحفاظ على مستوى المياه فيه.
وكان وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، سيلفان شالوم، ووزير المياه والري الأردني حازم الناصر، قد وقّعا أواخر شهر شباط (فبراير) الماضي في عمان، اتفاقية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع "قناة البحار" في مراسم رسمية بحضور ممثل عن البنك الدولي ومندوب عن الإدارة الأميركية. حيث يستكمل توقيع الاتفاقية مذكرة التفاهم التي وُقّعت في العاصمة الأميركية واشنطن في كانون الأول من العام 2013، بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
على أن يتضمن المشروع إقامة محطة لتحلية مياه البحر في مدينة العقبة الأردنية، وأن يتم توزيع المياه الصالحة للشرب التي تنتجها المحطة، بين الجهات الثلاث المتعاقدة على المشروع المشترك. وتنص تفاصيل الاتفاق على ضخ 200 مليون متر مكعب من مياه البحر الأحمر سنوياً، على أن تتم تحلية قرابة 80 مليون متر مكعب منها في محطة التحلية التي ستقام في العقبة.
وكان من المؤمل أن تحصل إسرائيل من هذه المياه على حصة تتراوح بين 30 إلى 50 مليون متراً مكعباً من المياه العذبة، يتم ضخّها إلى مدينة إيلات المجاورة. أما الأردن، فيحصل على 30 مليون متر مكعب سنوياً لتلبية احتياجاته في جنوب المملكة، وأيضاً على 50 مليون متر مكعب من المياه العذبة في المناطق الشمالية، وذلك من مياه بحيرة طبرية بأسعار مياه محلاة. كذلك ينص الاتفاق على حصول الفلسطينيين على 30 مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبرية المكررة بأسعار التكلفة. ويتضمن المشروع نقل ما يقارب من 100 مليون متر مكعب سنوياً من مياه البحر الأحمر إلى حوض البحر الميت.
ويعود المشروع إلى عام 2005، حين اتفقت إسرائيل، الأردن، والسلطة الفلسطينية على محاولة إيقاف النقص المستمر في مستوى ماء البحر الميت، وحفر قناة بطول 110 ميل، وبناء نفق يتم من خلالهما نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت. وقد قامت الأطراف الثلاث بتقديم طلب إلى البنك الدولي للإشراف على عملية تنفيذ دراسة الجدوى، وعلى عمليات التقييم البيئي والاجتماعي للمشروع وفقاً لمبادئ وسياسات البنك الدولي.
وما يجدر ذكره، أن عملية إيقاف تقلّص مستوى المياه في البحر الميت، لا تعتبر الهدف الوحيد من وراء هذا المشروع، فالجهات التي تقف وراءه، تهدف أيضاً إلى محاولة استخدام المياه التي يتم نقلها من البحر الأحمر (والذي يرتفع عن مستوى البحر الميت بمقدار 400 متر) إلى البحر الميت في توليد الطاقة الكهرومائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المشروع يهدف إلى زيادة إمدادات المياه إلى الدول المطلة على ضفاف هذه القناة، وذلك عن طريق إخضاع المياه المنقولة لعمليات تحلية أثناء عملية نقلها من البحر الأحمر، حتى يتم استخراج المياه الصالحة للشرب، واستخدامها في كلّ من الأردن، وإسرائيل، ومناطق السلطة الفلسطينية.
ومن المتوقع أن تمتد فترة دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع، إلى حوالى سنتين، وبتكلفة مقدارها 15.5 مليون دولار أميركي. وسيتم تمويل دراسة الجدوى من خلال صندوق استئماني مدعوم من قبل عدد من المانحين، ومن المتوقع أن تصل كلفة المشروع إلى أكثر من 5 مليار دولار أميركي، وسيتم الانتهاء من تنفيذ المشروع في فترة قد تصل إلى 20 عاماً. هذا في الجانب النظري والمعلن، أما في ما خفي من المشروع، فقد قال تقرير صادر عن مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية (المرصد) حول مشروع قناة البحرين أو البحار، إنه لا يساهم في وقف التناقص في منسوب مياه البحر الميت، ويخدم بالمقام الأول أهدافاً إسرائيلية، ويستخدم الفلسطينيين كواجهة من أجل تجنيد أموال المانحين الغربيين للمشروع.
وقال التقرير إن الأنبوب المقترح لنقل 200 مليون متر مكعب من المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت بحلول عام 2017، سيوفر ما نسبته حوالى 10 في المئة فقط من المياه المطلوبة لوقف تراجع منسوب المياه في البحر الميت، وبهذا فإن للمشروع أهدافاً مختلفة، وليس صحيحاً أنه يهدف إلى إنقاذ البحر الميت.
وبحسب موقع (عرب 48)، حدد عدد من الخبراء والناشطين السياسيين والبيئيين أهداف المشروع الأخرى، كما يلي: توفير المياه المحلاة، تطوير المستوطنات، توفير مياه لتبريد مفاعل ديمونا، الحصول على أموال المانحين الدوليين.. إلخ. وقالوا إنه تحت غطاء التعاون الإقليمي، يتم نهب العديد من حقوق الفلسطينيين الذين تم الضغط عليهم، ليكونوا طرفاً في هذا المشروع. مع العلم أن وجود الفلسطينيين كطرف في المشروع هو لتسهيل عملية تمويله من قبل المانحين الدوليين، حيث إن إسرائيل أو الأردن لا تستطيع تجنيد مليارات الدولارات بمعزل عن الفلسطينيين، وكان على البنك الدولي ومنظمات أخرى مهتمة بالبيئة أن تعالج الأسباب الحقيقية التي أوصلت البحر الميت إلى هذه الحالة، خاصة أن معالجة تلك الأسباب تعتبر أقل من حيث الضرر والتكلفة المالية.
مدير المرصد للدراسات السياسية والاقتصادية إياد الرياحي، قال لموقع (عرب 48) إن الفائدة الوحيدة التي سيحققها الفلسطينيون من هذا المشروع، إنهم سيشترون في المستقبل "المياه المحلية" دون الاعتماد على المياه الإسرائيلية، في حين انهم خضعوا لضغوط أردنية وإسرائيلية للمشاركة في هذا المشروع الذي ستبلغ تكلفته مليارات الدولارات. على رغم أن الاتفاق لم يشر إلى إمكانية استغلال الفلسطينيين للمياه الجوفية، ما يعني أنهم لن يستطيعوا الحفاظ على حقوقهم التاريخية، من خلال مشاركتهم في هذا المشروع.
من هنا اعتبار تقرير المرصد، أن البدء بحملة دولية تبين المخاطر البيئية والسياسية لهذا المشروع، مسألة ملحة جداً لدفع العديد من الدول لوقف تمويلها لهكذا مشاريع مضرة سياسياً وبيئياً، بما لا يساهم إلا في تكريس حالة الظلم التي يعيشها الفلسطينيون. والاستمرار بالادعاء أن المشروع سيساهم بحل جزء من مشكلة الفلسطينيين المائية من خلال بيعه مياهاً محلاة، هو استمرار لحرمان الفلسطينيين من حصتهم من المياه العذبة التي يستمر الإسرائيليون بنهبها.
* كاتب فلسطيني