أبو جهاد الوزيرأسطورة حقيقية يصعب تكرارها

بقلم: عباس الجمعة

نقف اليوم امام ذكرى استشهاد القائد الكبير امير الشهداء ابو جهاد الوزير الذي حمل بين ثنايا اسمه الذي عشقه حد الجنون، وكان يلامس الحرية لترابَ فلسطين، فيقاوم الاحتلال على طريقته القانونية محلقاً في سماء العدالة، ويصنع التغيير وفق طاقته، ويزرع الأمل في نفوسٍ كانت على مسافة  بعيدة من الأمل الذي يقودها نحو تحرير فلسطين.
الشهيد القائد أبو جهاد الوزير أسطورة حقيقية يصعب تكرارها هذه الأيام، فتشرب تاريخه وأفكاره النضالية التي كانت بمثابة رغيف الخبز له،مسيرةً كفاحية يتوق إليها كثيرون  فهو مهندس الانتفاضة وواحداً من أشد القادة المتحمسين لها ، ترك لنا صفحات غنية بالمواقف الشجاعة التي مكنته من القيام بواجبه الوطني تجاه القضية الفلسطينية ، فلم يكن أبو جهاد يوماً من هواة جمع المال ، أو البحث عن المكاسب الشخصية والامتيازات ، بل أنه دفع كل ما يملك من أجل دعم مقاومة شعبنا وانتفاضته الباسلة ، من أجل رسالة حملها في قلبه وعقله هي رسالة فلسطين التي ولدت معه لكنها لم تمت باستشهاده ، بل ظلت في قلوب وعقول الأجيال التي أكملت المسيرة ولازالت إلى يومنا هذا .
نتحدث عن امير الشهداء ابو جهاد الوزير تلك المدرسة التي تجسد فيها تاريخ فلسطين علي ملامح وجهه النضالي عاش مع رفيق دربه الرئيس ياسر عرفات الشهيد القائد الخالد أسطورة الوحدة الوطنية،واستشهد قائداً ومناضلا قهر الاحتلال مع رفيق دربه الشهيد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية " ابو العباس "ومع الشهيد القائد ابو علي مصطفى ومع كل القادة المناضلين ، وشكلوا هاجساً للعدو الصهيوني كان يمثل عنفوان الثورة وشموخ العطاء للقضية وضميرا للوحدة الوطنية ، هؤلاء القادة التي لم تهزهم الرياح ، فكانوا شامخين كالنخيل يتراقبوا العودة الي فلسطين كأنها حقيقة ساطعة انتشروا بفكرهم العسكري مع حركات التحرر التي وقفت الي جانب الشعب الفلسطيني.
ابو جهاد أول الرصاص واول الحجارة علي ارض فلسطن فكان يمثل مع كل شبل وكل زهرة ومناضل اسطورة الوفاء لمسيرة تعمدت بدماء الشهداء ،كان يعرف كل حبة رمل وكل زقاق وكل شارع على أرض فلسطين فهو النموذج والموجه للعمليات النوعية التي استهدفت الاحتلال لعل احداها كان مفاعل ديمونة وابو جهاد هو الانسان المناضل والثائر من اجل قضيته لم يعرف استراحة الا مع المناضلين والمقاتلين الذين كانوا يرتاحون بحديثهم معه وشكواهم اليه ، وكان ابو جهاد وهو يكتب كلماته الاخيرة يجسد مقولته التي قال فيها لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة وكلماته التي تقول اكملوا الطريق من بعدي ، كان همه الكبير فلسطين والوحدة الوطنية التى صاغها دائما بقلبه وعقله ودمه واكمل مسيرته في الثورة رفيق دربه الشهيد القائد  ابو العباس وفاء لعهده والوفي لوعده بان الانتصار صبر ساعة.
ابو جهاد نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية اغتيل على يد الموساد الصهيوني في تونس، رحل أبو جهاد جسدا ورحل معه عشرات الشهداء في هذا اليوم الذي هبت فيه الجماهير الفلسطينية في الداخل والشتات فزعا ورفضا لهذا الفعل الجبان الذي أقدم عليه العدو الصهيوني، ولكن روح أبو جهاد تجذرت في أبناء شعبه الأوفياء لتاريخ العطاء والبناء والذين مازالوا على العهد سائرون من اجل تحقيق الأهداف التي استشهد من اجلها القادة العظام من هذا الرعيل الأول للثورة والذين جسدوا بدمائهم خارطة فلسطين التاريخية فوق التراب الوطني الفلسطيني ومازال من تبقى من هؤلاء القادة على درب النضال وعلى الأمانة محافظا لكي يرفرف علم فلسطين فوق مساجد وكنائس القدس .
لقد أنجبت الأم الفلسطينية العديد من الشخصيات التي أصبحت ذات أهمية كبيرة ، هذه الشخصيات التي استطاعت بعطائها ونضالها والتزامها أن تحفر أسماءها في ذاكرة الشعوب ، ليس على المستوى الفلسطيني أو العربي فقط ، بل على مستوى شعوب الأرض بشكل عام ، كما أن بعض المواقف والتواريخ جعلت من هؤلاء شخصيات يتحدث عنها الجميع نظراً لحجم تأثيرها ومحبة الجماهير لها، وخليل الوزير من بين هؤلاء القادة العظام مع رفاق دربه القادة الرئيس الرمز ياسر عرفات ، وابو العباس ، أبو علي مصطفى ، الشيخ الجليل أحمد ياسين ، محمود درويش ، سمير غوشه ، فتحي الشقاقي ، عبد الرحيم احمد ، عمر القاسم ، والعديد من الشهداء الأكرم منا جميعاً الذين كانوا عناوين مهمة في حياتهم وشهادتهم ، وكذلك من الأحياء الذين لازالوا شخصيات هامة وبارزة في تاريخ المسيرة النضالية الفلسطينية والمواقف الرجولية التي ستخلد أسمائهم في سجل الشرف .
اليوم نتحدث عن خليل الوزير ( أبو جهاد ) هذا القائد الذي نحيي ذكرى استشهاده ، هذا القائد الذي جسد بحياته حالة فريدة ، من حيث العقلية العسكرية والتنظيمية التي استطاعت أن تضع بصماتها خلال عدة عمليات بطولية لقوات العاصفة ، وبرغم فداحة الخسارة التي لحقت بثورتنا وشعبنا نتيجة استشهاد القائد خليل الوزير ، إلا أن باستشهاده أعطي شعبنا ومناضلينا المزيد من التصميم على الاستمرار بطريق المقاومة لتحقيق حلم هؤلاء الشهداء بالتحرر وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئبن الى ديارهم وممتلكاتهم .
وامام ذكرى ابو جهاد الوزير رجل الوحدة الوطنية نجدد الدعوة لوحدة الشعب العربي الفلسطيني من خلال انهاء الانقسام الفلسطيني الكارثي، هي دعوة ملحّة ومسؤولة وضرورية، وذات نوايا حسنة، نطق بها كل الشعب الفلسطيني واتخذت فيها القرارات ولكم للاسف تعرقلها اصحاب نهج الامارة والانقسام .
وفي ظل هذه الظروف التي تأتي بها ذكرى امير الشهداء نؤكد على عدالة قضيتنا التي تحتاج إلى كل الجهود والعمل ، لأننا أمام احتلال يعتبر الأطول في التاريخ المعاصر ، احتلال ترك فينا الكثير من الألم ولازال مصمم على المزيد من الاستهداف للأرض والإنسان والمقدسات ،احتلال لا يمكن أن يفهم الرسالة إلا بمنطق القوة التي آمن بها أبا جهاد ، برغم قناعاته بأن كُل الخيارات يجب أن يتم دراستها بما تتطلبه المراحل النضالية ، لكن مع وجود البدائل التي نستطيع من خلالها الاستمرار في طريق النضال والمقاومة وصولاً إلى أهدافنا الوطنية .
ومن هذا الموقع نطالب اليوم القيادة الفلسطينية بحمل ملف اغتيال القادة العظام وفي مقدمتهم الرئيس ياسر عرفات وابو جهاد وابو علي مصطفى وابو العباس والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وكل القادة التي تم اغتيالهم للكشف عن الحقيقة وللدفاع والقصاص لهم امام محكمة الجنايات الدولية  هذا الملف مع ملف الجرائم التي ارتكبت بحق شعبنا وبحق الاسرى وبحق الارض كلها ملفات رئيسية .
إزاء هذه الاوضاع الخطيرة وفي ظل ميزان القوى نقول ان بات المطلوب رسم استراتيجية وطنيه من اجل حماية الأرض وتعزيز صمود الشعب من خلال الحفاظ على استمرار المقاومة بكافة اشكالها ، ومواجهة المشروع الصهيوني التي اصبح واضح في أهدافه تجاه الأرض واستيطانها وتهويدها ، وان التصدي له، يجب ان يكون وفق رؤية وطنيه فلسطينية واضحة، ركيزتها الأساسية حماية الأرض وتعزيز صمود الشعب. وهذا يحتاج الى نضال وطني متعدد الأشكال ضد احتلال استيطاني إقصائي، من العبث تصور رحيله، بمظاهره السياسية والاقتصادية والاستيطانية، من دون تحويله إلى مشروع خاسر بالمعنى الشامل للكلمة،فكفى مراهنات خاسرة  دون توحيد الجهود والطاقات والإمكانات الوطنية، وتعزيز صمود الشعب، كحلقة مركزية في محطة مفصلية وقاسية من محطات مرحلة تحرر وطني لم تنجز مهامها بعد، والعمل على نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة ومطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، فكفى الرهان على عودة لمفاوضات عبثية ، حتى نبقى اوفياء للشهداء الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين وفي مقدكتهم ابو جهاد الزيتونة التي جذورها قوية ثابتة في الأرض والتي لا تهرم مع مرور السنوات، قطعوها فأنبتت مكانها  فروعا وأبناء أكملوا ما زالوا يواصلون مسيرة الآباء والاجداد نحو الحرية والعودة والاستقلال.
لا ندري اليوم في ذكرى استشهاد اسطورة النضال ان نبكي على الاوضاع التي وصل لها الشعب الفلسطيني ان كان في قطاع غزة المحاصَر والمدمر ، اوعلى أوضاع الضفة الفلسطينية التي تضيع بالاستيطان ، اما على القدس التي يتم تهويد أرضها وأسماء شوارعها ومبانيها وحتى تاريخها ، اما على أهلنا في مخيم اليرموك ، او على ثقافتنا وهويتنا الوطنية ومشروعنا الوطني ، بعد أن فقدنا كل قوى التأثير الأخرى ، وخاصة نحن نرى ما تقوم به العصابات التكفيرية والظلامية الإرهابية على مختلف مسمياتها "داعش" و"نصرة" من عمليات ترويع وقتل وحشي لسكان مخيم اليرموك ،وهو ليس بمعزل عن المخطط المستهدف لسوريا شعباً وجيشاً ودولة وقيادة وجغرافيا واقتصاداً وموقفأ، فهذا المخطط والمشروع يحمل أبعاداً استراتيجية لسوريا ولفلسطين وكل الأمة العربية،مشروع يستهدف تفكيك المنطقة واعادة تركيبها من جديد على أسس مذهبية وطائفية واقامة كيانات  مقابل سيطرة القوى الامبريالية والاستعمارية على النفط والثروة العربية، وتسهل هذه الكيانات ، عملية الاعتراف بيهودية دولة الكيان الصهيوني على حساب فلسطين وشعبها.
من هنا نقول لا بد من اتخاذ موقف سياسي موحد مما جرى ويجري في مخيم اليرموك باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى الجميع أن يلتزم به وينفذه، مع وضع خطة للتحرك السياسي دوليا وعربيا لإنقاذ مخيم اليرموك وإخراج المسلحين جميعا من المخيم وفي المقدمة مجموعات الارهابية المسى داعش والنصرة وغيرهم ، والعمل على تقديم كل أشكال الدعم لشعبنا الفلسطيني في سوريا ، بعد ان اصبح الوضع خطير والمسؤولية تاريخية ، وما يجري ستكون عواقبه وخيمة على شعبنا الذي وقف على الحياد في الأزمة.
ختاما : سيظل أبا جهاد المدرسة الثورية التي تعلم منها الشباب الفلسطيني ، فساروا على هذا النهج ، متسلحين بالإيمان بالثورة والنضال وعدالة القضية الفلسطينية التي تحتاج إلى كُل الجهود والعمل ، فخسارة الشهيد القائد ابو جهاد ورفاقه القادة العظام  هي خسارة فادحة ، وخسارة للنضال، والأهم من ذلك خسرتهم القضية الفلسطينية التي دافعوا عنها بكل الوسائل والأساليب حتى آخر رمق من حياتهم.

بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي