غزة صنعت من الصحراء زهراً : طظ يا عاشور !!!

بقلم: حسن عطا الرضيع

"طظ يا عاشور" هو أحد الأمثال العامية المعروفة, ويرجع الأساس التاريخي لها إلى العصر المملوكي, حيث أن عاشور كان مسئولاً عن الضرائب والمكوس, وكلمة طظ تعني بالتركية الملح, وكان الملح معفى من المكوس المفروضة على السلع, وشهدت فترة حكم المماليك والأتراك زيادة مطردة في الضرائب المفروضة حتى زادت أعباء العباد, واقتصادياً فهو يعبر عن حكمة الشعب عندما يفقد الثقة والمصداقية في النظم المالية للدولة, وحين يشعر أفراد المجتمع بأن سياسات الدولة المالية لا توفر لهم الخدمات والمنافع ولا تحقق العدالة الاجتماعية فإنهم يشعرون بفقدان الثقة في الضرائب المفروضة و من ثم فقدان الشعور بالانتماء وسيادة اللا مبالاة, وعليه وعند التطرق للسياسة المالية المتبعة من قبل حكومة غزة خلال السنوات الثمانية الماضية, يتضح اعتمادها على الأنفاق والضرائب المباشرة على السلع المهربة من قبل الأنفاق كجزء كبير من تمويل نفقاتها, حيث نشرت صحيفة البرلمان التي تصدر عن المجلس التشريعي بغزة أن الموازنة العامة للحكومة بغزة للعام 2013 قد بلغت 897 مليون دولار وزعت كالتالي449 مليوناً للرواتب والأجور, 103 مليوناً للنفقات التشغيلية, 110 مليوناً للنفقات التحويلية, 235 مليوناً للنفقات الرأسمالية والتطويرية, وتم تغطية تلك النفقات بحوالي 27% منها جباية محلية بقيمة 243 مليون دولار والباقي عجزاً يمول من الخارج دون الإفصاح عن ذلك , كذلك فقد أشار وزير الاقتصاد في حكومة غزة علاء الرفاتي أن تدمير الأنفاق قد أدى إلى خسائر قدرت شهرياً بقرابة 230 مليون دولار, وهذا سبب رئيسي للأزمة المالية التي تعانيها حكومة غزة ومنعت تلك الأزمة الحكومة من دفع رواتب لقرابة 37 ألف موظف ثم جاءت حكومة التوافق الوطني في أبريل للعام 2014 وبعد عام لم تحل تلك المشكلة لتشكل أحد أبرز عقبات المصالحة والأعمار, تلك النسب الرسمية الصادرة عن الحكومة والمتعلقة بالرواتب وموازنة واحتياجات غزة, جاءت تصريحات لوزير المالية ونائب رئيس الوزراء في الحكومة المقالة السابقة في أحد الإذاعات المحلية أن موارد وضرائب غزة كفيلة بحل المشكلة المالية وتغطية نفقات حكومتي غزة والضفة , وأن غزة استطاعت أن تصنع من الصحراء زهراً ومن كونها مغلقة مع العالم الخارجي ومحاصرة إلى وجود 350 مكاناً ترفيهياً, وأنها واحة الآمان الاجتماعي والاقتصادي والترفيهي والقيمي والغذائي , تلك التصريحات والتي لا تعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي التي تعاني منه جُل الأسر الفلسطينية, وتحديداً عندما يتحدث عن توفر الأمن الغذائي في قطاع غزة علماً أن الأمن الغذائي يعني توفر السلع الإستراتيجية كالقمح والشعير والذرة والزيوت والسكر وغيرها من السلع الضرورية وهي يتم استيرادها من الخارج ويتحمل المواطن أعباء الضرائب التي تفرض عليها والمعروفة بالمقاصة والتي تبلغ 17% وهي الأشد تأثيرا على الواقع المعيشي كونها تمس معظم الشرائح الفقيرة والمتوسطة وأصحاب الدخول الثابتة, وكذلك أي أمن اجتماعي وقد ارتفعت معدلات البطالة لتقتر ب من 50% ويصل عدد العاطلين عن العمل ل 200 ألف وارتفاع معدلات الفقر لحدود 60% ونقص الأمن الغذائي لقرابة 43% من الأسر إضافة لارتفاع نسب العنوسة وتراجع نسب الزواج بسبب عدم القدرة على دفع مستلزمات الزواج وعدم توفر مكانا للسكن وفرصة للعمل , كذلك أي أمن ترفيهي وغزة بلا بنية تحتية وبلا كهرباء وبلا مياه نظيفة وصالحة للشرب , وبلا إعمار لما دمرته آليات الاحتلال الإسرائيلي , غزة تغرق بالظلام والمرضى يموتون بوتيرة متباطئة لإغلاق المعابر , وبعض أحياءها تغرق بالمياه أثناء المنخفض الجوي , أي أمن اقتصادي واجتماعي وقيمي وقد عُز به رغيف الخبز وتفاوتت مستويات الدخول وظهور فئات أكثر استغلالا واحتكاراً للأراضي والعقارات وبعض الأنشطة الأخرى , وأصبح البحث عن فرصة عمل في غاية الصعوبة حتى لو لشهر أو أثنين في السنة , أي أمان والشباب يقضون جُل أوقاتهم بالطرقات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ولا يجدون فرص للقضاء على الفراغ وإنتاجيتهم تبدأ بالتراجع وتصل إلى أدنى مستوياتها , كذلك أية موارد في غزة كفيلة بحل مشاكلها, فموارد غزة وضرائبها وشبكة الآمان العربية والمنح والمساعدات الخارجية لا تغطي النفقات الحكومية مما يدلل على وجود مشكلة بنيوية في الاقتصاد الفلسطيني تعود لتراكمات سابقة تحتاج لحلول دائمة وليست مؤقتة وهذا يحتاج لإعداد برنامجاً وخططاً واقعية ضمن الإمكانيات المتاحة.

بقلم/ حسن عطا الرضيع