العالم مشغول بتحطيم الأرقام تباعاً من قبل نجمي كرة القدم "ميسي ورونالدو"، فما أن يقفز أحدهما على رأس قائمة حتى يزاحمه الآخر عليها أو على رأس قائمة أخرى، لا شك أن التنافس بينهما أضاف الكثير من الجمال والأهمية إلى عالم كرة القدم، وإنعكس تأثيره بالإيجاب على قطاعات أخرى من الحياة كنا نظن أنها بمنأى عن مخرجات عالم الرياضة، لم يجد نجم النادي الملكي "رونالدو" حرجاً حين قال بأن وجود نجم بحجم "ميسي" في عالم كرة القدم يدفعه دوماً لبذل المزيد من الجهد والعطاء داخل المستطيل الأخضر، فكل منهما يشكل دافعاً للآخر نحو التميز والابداع.
ما يعنينا هنا لا يتعلق بالأرقام الفلكية لكل منهما في عالم كرة القدم، ولا بلعبة الكراسي الموسيقية الدائرة بينهما وحالة الاستقطاب الممتدة بطول وعرض المجتمعات الغنية والفقيرة في آن واحد، بل في إمكانية نقل فلسفة التنافس بينهما إلى عالم السياسة والحكم، لعل المشهد الأقرب إليهما في عالم السياسة كان زمن الحرب الباردة، حين كان التنافس على أشده بين أمريكا ومعها الدول الغربية من جهة والاتحاد السوفيتي ومعه الكتلة الشرقية من جهة ثانية، لا شك أن التنافس بينهما وإن أخذ الطابع العسكري في غالبية مكوناته إلا أنه أسهم في نقل الكثير من التطور إلى مناحي الحياة المدنية، ولا نجافي الحقيقة حين نقول بأن الأمن والاستقرار في العالم زمن قطبي العالم أفضل مما هو عليه الحال حين تفردت أمريكا بدور شرطي العالم.
شتان بين المنافسة بما تحمله من عوامل محفزة نحو الابداع والتميز، والمناكفة التي تستند على معول الهدم الذي تمسك به، طالما ان صفة العجز تلازمنا فيما يتعلق بصياغة برنامج وطني موحد يلتف الجميع حوله، فمن الانسب لنا ولمجتمعنا أن ننحي المناكفة جانباً وأن نفسح المجال للمنافسة، المنافسة في تقديم الأفضل وتطوير ما هو قائم.
من يرقب المشهد في ساحتنا الفلسطينية يتضح له من الوهلة الأولى أن تصيد أخطاء الآخرين يهيمن على تفكيرنا وسلوكنا، وأن فلسفة هدم الآخر تتقدم عما سواها، يستجمع البعض قواه ليمطر الوطن بعبارات الردح عبر وسائل الإعلام المختلفة، وينقب في دهاليز نظرية المؤامرة عله يلتقط منها ما يشبع غريزته في القدح والذم والتخوين، يعتقد أنه يبني له مجداً بالتطاول على الخصوم، المؤكد أننا بهذا السلوك الذي يحاول كل منا كسب النقاط وإلحاق الهزيمة بالآخر شوهنا صورة الوطن، فلم تعد صورته أمامنا وأمام غيرنا بذات الطهارة التي كانت عليها في الماضي، مما أفقدنا الكثير من الأصدقاء وتقلصت معه مساحة التعاطف معنا ومع قضيتنا.
هل من الصعوبة بمكان أن تتوصل الفصائل الفلسطينية إلى بروتوكول تفاهم تضع من خلاله حداً للمناكفة، وتكتب به نهاية مسلسل التشهير "المكسيكي" المتواصل على مدار ثمان سنوات، من المستفيد من ثقافة التشويه المهيمنة علي ادبياتنا؟، لعلنا بحاجة اليوم لأن ننقل إلى ساحتنا الفصائلية شيئاً من قواعد المنافسة الرياضية علنا نعالج بها مرض المناكفة السياسية الذي استوطن فينا.
بقلم/ د. أسامه الفرا