بعد تدمير وتخريب العراق وسوريا وليبيا، وتقسيم السودان، وشطب الصومال من الخارطة الآدمية، ونسيان القضية الفلسطينية، وانقلاب مصر رأساً على عقب، اليوم تطفو أزمة اليمن على السطح استكمالاً لما يحدث في البلدان العربية لتحدد هي الأخرى معالم واتجاهات الشرق الأوسط الثائر، فبعد مرور 17 يوماً على عاصفة الحزم التي تقودها المملكة السعودية ضد الحوثيين حتى كتابة هذه السطور نجد أن المنطقة برمتها عاشت وما زالت تعيش واقعاً متناقضاً حيث إنه ما بين ليلة وضحاها يصبح العدو صديقاً و يصبح الصديق عدواً والدليل على ذلك ما أحدثته مفاوضات لوزان التي استطاعت الجمع بين العناد الإيراني والدبلوماسية الأمريكية بعد سنين عجاف من المفاوضات، كذلك ما نتج عن عملية انتقال السلطة في المملكة السعودية بعد تسلم الملك سلمان قيادة المملكة، حيث أحدثت هذه العملية تغييراً واضحاً تارة وبطريقة مبطنة تارة أخرى في السياسيات والعلاقات العربية ومن الأمثلة على ذلك حيث وصلت العلاقات المصرية السعودية في عهد الملك عبد الله إلى مرحلة الازدهار المتقدم أما الآن فالعلاقات بينهما في مرحلة الترميم و التعزيز وسياسة الملك سلمان تجاه مصر تسير وفق إستراتيجية تقبل الأمر الواقع لأن أخاه ألبسه ثوباً رديئاً، لكن سلمان يحاول أن يتعاطى مع هذا الثوب بحكمة بتحجيمه و استخدامه لصالح المملكة من أجل الزج به وإقحامه في بعض الأزمات والصرعات العربية، وهذا يدلل على أن الجيش المصري أصبح " كبش فداء" رغم أن الوضع الداخلي في مصر، لن يسمح بمشاركة مصرية في حرب الرياض على اليمن.
ومقابل ذلك هناك موقف مختلف تماماً عن المشهد المصري ونقيض له ألا وهو الموقف التركي الذي وقف متوازناً وما زال يقف ولم يدخل معترك تصفية الحسابات السعودية الإيرانية فالحنكة " الأردوغانية "جعلت من أردوغان يندد بالموقف الإيراني الدعم للحوثيين وفي نفس الوقت شكل أردوغان زيارة لطهران بعد اتفاق الإطار النووي وأكد خلال الزيارة على متانة العلاقة بين البلدين، لكني لا أعتقد أن زيارة أردوغان لطهران تهدف إلى تمتين العلاقات بين البلدين فقط، بل تأتي الزيارة في إطار تحرك سعودي الهدف منه دفع أطراف مؤثرة في المنطقة للتدخل من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، بعد أن أدركت الرياض استناداً إلى تقارير أمنية استحالة تحقيق انتصار سعودي في اليمن مهما كانت الأسلحة المستخدمة، وبالتالي انتقلت أنقرة من موقف المشارك إلى تزعم جهود وقف الحرب.
إن التحالف التي تقوده السعودية والعشر دول المنطوية تحت لوائها بدأ يتململ ويتهاوى وهو تحالف شكلي بدليل أن الضربات الجوية التي تتعرض لها اليمن والتي بلغ عددها 1200 غارة كلها ضربات ليست مصدرها طائرات التحالف العربية بل ينحصر مصدرها في سلاح الجو السعودي والإماراتي، و إن الرهان السعودي على دول في المنطقة والاقليم والساحة الدولية، قد سقط حيث أعربت باكستان من خلال برلمانها عن أنها ليست على استعداد للمشاركة مع السعودية في حربها على اليمن، وفي ظل حالة المد والجزر التي تسود الإقليم لا يمكن عزل اللاعب الأمريكي ودوه في الإقليم الذي تعاني منه الرياض نتيجة
"الاستدارة الآمنة" عما يحدث في الشرق الأوسط، حيث إن السياسة الأمريكية باتت أكثر "انطوائية" وواشنطن، لن تتدخل على الأرض، مهما كانت الأخطار التي يواجها هذا الحليف أو ذاك.
لقد جاء رد طهران على حرب الرياض على اليمن حتى هذه اللحظة رداً خطابياً ومن أعلى المستويات حيث قال المرشد الإيراني الأعلى إن " المملكة العربية السعودية ومن خلال عدوانها على اليمن ارتكبت خطأً كبيراً وأسست لبدعة سيئة في المنطقة ولن تنتصر مطلقاً". وأضاف خامنئي إن " العدوان على الشعب اليمني وقتل الأطفال وتدمير البيوت والقضاء على البنية التحتية اليمنية، جريمة وإبادة جماعية يعاقب عليها القانون الدولي". وأيضاً وصف نائب وزير الخارجية الإيرانية ما قامت به السعودية ضد اليمن هو خطأ إستراتيجي، ووصف رفسنجاني تشكيل التحالف السعودي مع عدة دول عربية في عمليات عاصفة الحزم بأنه "خطأ حقيقي واستراتيجي".
وبعد الاستعراض المتواضع لأحداث وسياسات المنطقة وعلى الرغم من استخدام طهران لغة الخطابات إلا أن سيناريو الحرب بين طهران والرياض أصبح حاضراً بل نعيش أجواء الحرب التي أصبحت معلنة بينهما، ولكن بملاعب اليمن والعراق وسوريا ومن علاماتها انهيار أسعار النفط التي تقودها السعودية، والحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، ودعم السعودية للمعارضة في العراق وسوريا، وإن ساحات النزاع هي من تدفع الثمن.
بقلم/ أ. عبد الرحمن صالحة