لا بد ان المتابع للاوضاع المتعلقة بمخيم اليرموك، وما يتعرض له سكانه من مجازر على يد الجماعات الارهابية، قد لاحظ بدون شك الارتباك وتناقض التصريحات والمواقف الفلسطينية الرسمية.
فبعد ساعات من اعلان الموفد الرئاسي الى سوريا عضو اللجنة التنفيذية امين عامة جبهة النضال الشعبي د.احمد مجدلاني ان المنظمة تؤيد القيام بعمل عسكري تقوم به القوات السورية وفصائل المقاومة الفلسطينية، وما لاقاه من صدى مرحب على المستوى الشعبي الفلسطيني، صدر بيان من قبل المنظمة يتناقض تماما مع هذا الاعلان"الموقف"، ويؤكد على "معارضة المنظمة التامة لاي عمل عسكري مهما كان شكله".
هذا البيان كان اكثر من كاف لاحداث الكثير من البلبلة والارباك في الشارع الفلسطيني، خاصة وان الامر يتعلق بابناء فلسطين ودمائهم التي تسفك على ايدي عصابات الاجرام لتنظيم الدولة، كما وان التجربة اثبتت ان هذا التنظيم لا يؤمن جانبه، وان قضية حقن الدماء المشار اليها في بيان المنظمة غير مفهومة، خاصة في ظل مسيل المزيد من الدماء في مخيم اليرموك.
وقد لوحظ ان هناك من قادة فتح، من ادرك خطورة الموقف الفلسطيني المتردد في هذا الصدد، فاصدر العديد منهم تصريحات ومواقف تنادي باسناد اهالي اليرموك والدفاع عنهم، وكان هذا الموقف جليا فيما جاء على لسان عباس زكي الذي اعتبر بحسب ما نشرته وسائل الاعلام، "ان الصمت على الجريمة خيانة والسكوت عن الحقيقة مؤامرة والارتباك في مواجهة العدوان جبن وخذلان وسقوط في مستنقع المهزلة من التاريخ وليست حركة فتح هي التي تحمل سيفا مثلوماً في مواجهة العدوان على مخيمات شعبها وليست هي التي تعري لحم المشردين من أبنائها لسيوف الخونة والمتآمرين من عملاء الأطلسي وكتائب الأشباح التابعة للموساد والمخابرات الأمريكية".
كما لوحظ ان بعض الفصائل اصدرت بيانات ومواقف حول الموضوع، فيما ذهب مصدر في الجبهة الديمقراطية الى اصدار موقف هو اقرب الى الاستثمار والهجوم على قيادة المنظمة ، داعيا الى "تشكيل خلية ازمة، والى الابتعاد عن التفرد والانفراد في تشكيل الوفود"، وهنا يبرز السؤال، اين كانت الجبهة الديمقراطية وهي عضو في اللجنة التنفيذية، وكيف تم اصدار البيانات واتخاذ المواقف ضمن المنظمة، ومن الذي اصدر مثل هذا البيان.
الاغرب في المواقف الفلسطينية المعلنة، هو ذلك الموقف لحركة حماس التي نأت بنفسها تماما عن موضوع اليرموك، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب او بعيد، علما بانها كانت احد الاطراف الاساسية في اليرموك، لا بل جرت على المخيم الويلات من خلال اصطفافها الى جانب المعارضة منذ نشوء الازمة.
الحقيقة انه فيما يتعلق بموضوع اليرموك، فانه اذا كان الدافع وراء الموقف المعلن للمنظمة، هو اتباعا لسياسة وشعار "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية" فان الامر هنا مختلف تماما، حيث ان من يذبح في اليرموك هم ابناء الشعب الفلسطيني، ولم يعد الموضوع يتعلق بنزاع داخلي بين السوريين انفسهم، وما يحدث في اليرموك يستهدف فقط ابناء فلسطين الذين صمدوا في المخيم، وعليه فان من واجب القيادة الفلسطينية العمل على حمايتهم والدفاع عنهم، خاصة وان هنالك من هو جاهز للقيام بذلك، وانه فقط ينتظر "الاوامر" لفعل ذلك.
ان ذبح العديد من ابناء جيش التحرير الفلسطيني على يد داعش وما قيل عن اجبار بعض النسوة الفلسطينيات على الزواج من عناصر داعش بعد تطليقهن من ازواجهن، لا يمكن ان يتم السكوت عليه تحت شعار عدم التدخل، خاصة وانه اذا ما استطاع داعش الفوز في معركة المخيم، فان من غير المستبعد ان يقوم بمجزرة واسعة ضد المتبقين من ابنائه، كتلك التي حدثت في صبرا وشاتيلا بعد خروج المقاومة من لبنان.
اذا كان رفع شعار عدم التدخل مقبول في بداية الازمة، حيث سعت جميع الاطراف الى زج الفلسطينيين بالصراع، فان الامر لم يعد كذلك بعد مرور سنوات على الصراع، وبعد ان اصبح واضحا ان الطرف الفلسطيني مستهدف بكل الطرق التي ترمي الى اذلاله واخراجه من سوريا، ودفعه الى البحث عن دول واقطار وراء البحار .
مخيم اليرموك يجب ان يكون الخط الاحمر الذي لا يجوز التنازل عنه تحت اي من الذرائع والمبررات، فهو عاصمة الشتات الفلسطيني، وعنوان الصمود ومطلب حق العودة الى الوطن، لا الى دول اسكندنافيا واستراليا وكندا، وعلى القيادة الفلسطينية ان تتخذ موقفا لا يقبل التأويل ولا يشوبه الارتباك او التردد، موقف يعبر عن انها تمثل الشعب الفلسطيني اينما كان بشكل صحيح وحقيقي، وليس مجرد شعار يتم رفعه عند الحاجة.
للتذكير فقط،،، على اثر موقعة شارلي بيدو، وبرغم ان الضحايا من الفرنسيين "ديانتهم اليهودية"، لم يتوان قادة دولة العصابات عن تحريض يهود فرنسا والعالم على الهجرة الى الكيان، في محاولة منهم للقول ان الكيان يدافع عنهم، وعليه لا يجوز ان يذبج ابناء فلسطين فيما تتذرع القيادة بشعار عدم التدخل، ما هكذا تورد الابل يا سادة، يا قادة.
بقلم/ رشيد شاهين