الجنيه الفلسطيني : من الأرياف تبدأ الثورات ومن أطفالها يبدأ حلم الدولة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

في تحول غريب ونظراً للقرصنة المستمرة من قبل سلطات الاحتلال المتمثلة بحجز أموال المقاصة ( الضرائب غير المباشرة) , قررت مدرسة عجة الأساسية بالريف الفلسطيني جنوب جنين إعادة تداول الجنيه الفلسطيني بين طلابها ومدرسيها والمقصف الخاص بالمدرسة وهي 1700 جنيهاً , كوسيلة لتعزيز الانتماء بالقضية الفلسطينية وأداة فاعلة في المستقبل لبناء الدولة المستقلة, حيث تعود عملة الجنيه الفلسطيني لثلاثينيات القرن العشرين والتي أصدرته حكومة عموم فلسطين وارتبطت حينها بالجنيه الإسترليني, تلك الخطوة مهمة وتستحق التقدير والإصرار على ذلك , ورغم أهمية الجنية كمصدر سيادي للدولة فإن ذلك يتوجب من سلطة النقد الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والحكومة البدء بالتفكير وقبل إعلان الدولة بالتجهيز ليس للتحول لبنك مركزي وإصدار عملة بل إلى بناء اقتصاد حقيقي يوفر قيم اقتصادية حقيقية ويضيف للناتج المحلي الإجمالي , حيث أن لا قيمة للجنيه بدون وجود إنتاج حقيقي يغطي تلك الأموال , ولأجل ذلك فالسلطة أمام تحديات كبيرة وسيقف الاحتلال ضد إنشاء دولة فلسطينية وضد تداول عملة سيادية, حيث أن إسرائيل قد استفادت كثيراً من احتلالها للأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة حيث حققت مكاسب في الفترة 1967-1986 بلغت قرابة 22 مليار دولار جاءت على شكل الاستفادة من القوى العاملة وارتفاع إنتاجية العامل الفلسطيني وتدني أجره قياساً بالعامل الإسرائيلي إضافة لتداول الليرة ولاحقا الشيكل والاستفادة الأكبر جاءت بعد إنشاء السلطة الفلسطينية بعد العام 1994 حيث عززت تبعية الاقتصاد الفلسطيني للسوق الإسرائيلي وجعلت السوق الفلسطيني يعمل وفقاً لما يحتاجه السوق الإسرائيلي, حيث تحقق إسرائيل سنوياً قرابة 7مليار دولار مكاسب من الضفة الغربية وغزة حيث تعتبر المناطق الفلسطينية سوقاً ومصدراً للنهب والاستنزاف والهدر, وكذلك تستحوذ تلك المناطق على 8-10% من الشيكل المصدر من البنك المركزي الإسرائيلي , هذا يعني أن هناك ريعاً للاقتصاد الإسرائيلي من تداول الشيكل في الأراضي الفلسطينية , كما ساهم الانقسام السياسي الفلسطيني في استفادة أكبر لإسرائيل واستمرارها في نهب مقدرات الفلسطينيين في الضفة من خلال الاستيطان ومصادرة المياه والأراضي والسيطرة على مناطق c والتفكير بضمها وإلحاقها وفي غزة عبر تشديد الحصار والاستفادة من غاز بحر غزة وغزو السوق الفلسطيني بالمنتجات الإسرائيلية وتحقيق مبدأ الاقتصاد أو الكيان التابع اقتصادياً وأبرز المخاطر هي الشيكل حيث أن الاستهلاك في السوق الفلسطيني هي بالشيكل, وعند النظر بالمؤشرات الاقتصادية الكلية في الأراضي الفلسطينية فيتضح بصعوبة إصدار عملة وطنية قبل إعلان الدولة الفلسطينية وحتى بعد إعلان الدولة فهناك إشكالية رئيسية وهي ما هو حجم الإنتاج الذي يمكن من خلاله تحديد قيمة الجنيه الفلسطيني وما مدى قدرتها على التحوط من التغيرات في الأسواق الاقليمية والمحلية, سيعاني الاقتصاد الفلسطيني في حال إصدار تلك العملة من اضطرابات كبيرة في مستويات الأسعار وربما نصل إلى عتبات عالية للتضخم كالدول الأقل نمواً بحدود 10-15% وهذا كفيلاً بتراجع قيمة العملة وفقدان الثقة بها, مما يعني بضرورة البدء ببناء اقتصاد منتج يمهد مستقبلاً لإمكانية إصدار عملة وبنك مركزي, أما عن حجم الخسائر التي مُني به الاقتصاد الفلسطيني في العشرون العام الماضية بسبب تداول ثلاثة عملات وغياب عملة وطنية هي نسبة ليست بسيطة تتراوح من 5-3% بمعنى أن كل عام يخسر الناتج المحلي الفلسطيني قرابة 250-400 مليون دولار , فأن يخسر اقتصاد بالأساس لا ينتج ويعتمد في طلبه العام على المنح والمساعدات والإغاثة من الخارج فهذا كارثة بكل المقاييس, سابقا وقبل إنشاء إسرائيل عام 1948 فقد استطاعت الجماعات اليهودية المهاجرة بناء اقتصاد قبل إعلان الدولة بثلاثة عقود حيث أنشئت الجامعة العبرية وبنك لئومي وعشرات الكيبوتسات والمصانع واهتمت بالإنتاج الحقيقي كالزراعة والصناعات الخفيفة مما مهد لها القدرة على إصدار الليرة, وعليه فإن المخاطر الرئيسية التي تواجه بناء اقتصاد حقيقي ومنتج هي التالي :
- وجود الاحتلال وسياساته التدميرية للاقتصاد الفلسطيني, وللتغلب على ذلك لا بد من الاستمرار في حشد الدعم الدولي لإنهاء الاحتلال وبسط السيطرة للفلسطينيين على الأراضي المحتلة, وإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية المرتبطة باتفاقية باريس والعودة إلى نسج علاقات تجارية مع دول عربية تكون متكافئة وندية تحقق مزيداً من النمو .
- وجود انقسام سياسي منذ 8 سنوات , ووجود اختلافات في السياسات الاقتصادية المطبقة وخصوصا الضريبية منها.
- عدم إدراك الجمهور الفلسطيني ومتخذي القرار لأهمية المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية والثورة البيضاء التي سيكون لها الفضل الكبير في دعم الجنيه الفلسطيني .
- تقاعس سلطة النقد الفلسطينية والمصارف وتراجع مساهمتها المجتمعية, وهروب الودائع للخارج رغم اقترابها من 10 مليار دولار وهي تزيد عن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي .
وفي الختام ونظراُ لتميز الفلسطينيين بالانقسام السياسي منذ العام 1925 حين حدث انقسام بين عائلتي النشاشيبي والحسيني , والانقسام الحالي الذي حدث في يونيو 2007 , هل سيكون الجنيه مثلما كان قبل الاحتلال وأثناء الانتداب البريطاني , أما أنه سيكون منقسم كما الوطن الآن إذا أصبح عملة حقيقية لفلسطين..

بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي / غزة