عنصرية غوغل وحقد الفيس وتويتر

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

ليس لدي أدنى شك بأن وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى، كالفيس بوك وتويتر، وشركات البريد العالمية مثل غوغل والياهو والهوتميل وغيرها، وما كان قبلهم وما سينشأ معهم ومن بعدهم، من وسائل أحدث وأخطر، وأسرع وأكثر نفعاً، وأشد التصاقاً بالأشخاص وربطاً بالمهمات.

إذ لا تتوقف الشركات عن التفكير، ولا الخبراء عن البحث والتجربة والتجديد، بدافع الكسب وتحقيق أرباحٍ أعلى ومكاسب أكثر، أو لأهدافٍ أخرى ومنافع عديدة، كالتجسس والمراقبة والمتابعة ودراسة الظواهر والتعرف على الأشخاص وتحديد أماكنهم، ومتابعة تحركاتهم، والتنبؤ بالسلوك ومسارات الأحداث، خاصةً أن هذه الوسائل والآليات يتم تنزيلها تلقائياً في جميع أجهزة الكمبيوتر على أنواعها الصغيرة والكبيرة، واللوحية والمكتبية، وكذلك يتم تضمينها في برامج أجهزة الاتصال الحديثة كلها، التي بدونها لا تعمل ولا تفيد صاحبها، بل وتشترط دائماً تطويرها وتحديثها، حيث ترتبط بمراكزها المختلفة، فتزود الأجهزة بالنسخ الجديدة من برامجها، والتي يكون فيها دوماً خدماتٌ أخرى، ووظائف جديدة.

هذه الشركات البريدية الضخمة، ووسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة، باتت تدخل كل بيتٍ ومكتب، وترتبط بكل الناس أياً كانت صفاتهم ووظائفهم، وأعمارهم وأجناسهم، وتتعامل معهم بكل لغاتهم مهما تعددت واختلفت، وهي تلتصق بهم، وتلازمهم في عملهم وأوقات راحتهم، وتنتقل معم أينما ذهبوا، وتصاحبهم كظل، وتتبعهم كحارس، وهي تجتاز الحدود، وتختصر المسافات، وتتحدى العقبات، وتنساب رغم المعوقات، ولا تقوى رقابة الحكومات عليها، ولا حدود الأهل والأسر على منعها، بعد أن باتت وسائل كسر المخدمات منتشرة ومتعددة، ومتطورة وذات أجيال، فلم يعد يستعصي عليها موقع أو خدمة.

لم يعد من السهولة على أحد أن يستغني عن هذه الخدمات، أو يعمل بعيداً عنها، دون اعتمادٍ عليها، أو استفادةٍ منها، نظراً لسرعتها الفائقة، وانتشارها الواسع، وتشابكها المهول، وقدرتها الكبيرة على إتمام المهام وانجاز التكليفات، بعد أن أصبحت وثائقها قانونية، واتصالاتها مستنداتٌ يعترف بها القانون، ويحكم بموجبها القضاء، ويتعامل معها كالأدلة والقرائن والوثائق والمستندات المادية، إذ أنها مثبتة صوتاً وصورةً ونصاً، وتقترن بتوقيتٍ دقيقٍ للساعة والتاريخ، وتؤكد المخدمات الاليكترونية أماكن الاستخدام والتشغيل.

لا أشك أن هذه الشركات على اختلافها وأنواعها تنفذ سياساتٍ معادية ضد العرب والمسلمين على السواء، وتعمد إلى الإساءة إليهم، وحجب كل معرفةٍ عنهم، والتضييق عليهم، وفرض الشروط القاسية على استخدامهم لهذه الوسائل، والاشتباه في وجودهم، والشك في بريدهم، والتجسس على مراسلاتهم، وفتح رسائلهم، وانتهاك سريتها، وفضح أسرارها، وكشف خباياها، وتوجيه الاتهامات بموجبها إليهم، أو الحكم عليهم بناءً عليها، واستناداً إلى ما يتم تداوله خلالها.

ولعل بعض الذين أشرفوا على إنشاء هذه الشركات البريدية ووسائل التواصل الاجتماعية، قد شعروا بالندم والغضب لأن العرب والمسلمين استفادوا من هذه التقنيات العالية، ووظفوها لخدمة قضاياهم الوطنية والقومية، واستغلوها في نشر مفاهيمهم الدينية وأفكارهم العامة، على الرغم من الضغوط التي يتعرضون لها من الشركات المشغلة، التي تتحكم في المراكز، وتمتلك كافة المعطيات، وتحتفظ بكل المراسلات، وتسجل أغلب المكالمات، وتفرط شروطها على الدول المستفيدة، التي تخضع غالباً لشروطهم ومحدداتهم، فهي لا تملك البديل لترفض أو تفاوض، وإلا فإنها تحرم وتمنع، وتحجب عنها هذه الخدمات.

هذه الشركات التي ينتسب إليها مئات الملايين من سكان الأرض، تجني شهرياً مليارات الدولارات، وتكسب أموالاً طائلة لا يتصورها عقل، ولا يتخيلها مستثمر، إذ تبين أنها أعظم استثماراً من النفط، وأكثر ادراراً للمال منه، فهي سيلٌ لا يتوقف من الدخل المادي، وباتت تلزم البشر كما الهواء والماء والغذاء، فإن أغلبها تقدم دعماً مالياً للكيان الصهيوني، وتمنحه نسبةً سنويةً من أرباحها، وتمول العديد من أنشطته، وتتبنى بعض مشاريعه، وتغطي نفقات بعض مشترياته، وتساهم في دعم المؤسسات، ومساعدة العائلات وتقديم التبرعات، ويأتي رؤساء شركاتها، ومدراء أقسامها لزيارة الكيان الصهيوني، وإعلان التضامن معه.

لا تخفي هذه الشركات تأييدها للكيان الصهيوني، ولا تحاول ستر انحيازها له، وتعاطفها مع شعبه، وتأييدها لسياسته، واستنكارها لما يتعرض له، فهي تنشر إعلاناتٍ تروج له، وتدافع عنه، وتخدم قضاياه، فتنشر على صفحاتها دعواتٍ للتبرع بالمال من أجل "إسرائيل"، والمساهمة في مساعدة أطفالها وانقاذهم، وعلاج مرضاها، وتنشر صوراً لما تسميه "إسرائيل" بضحايا الإرهاب، وآثار صواريخ المقاومة الفلسطينية على البلدات والمستوطنات الإسرائيلية، كما تخصص صفحاتٍ خاصة بهم، وأرقاماً هاتفية لخدمتهم ومساعدتهم، واحتساب العوائد والأرباح لصالحهم.

وفي الوقت نفسه تقوم هذه الشركات بمنع العرب والمسلمين من نشر قضاياهم، وبيان مواقفهم، وفضح حقيقة عدوهم، والرد على أباطيلهم، وكشف زيف ادعائهم، فتقوم ادارتها بإغلاق المواقع التي تنبري للدفاع، وتتصدى للرد، وتتعهد بالمواجهة، رغم أنها تستخدم ذات الأدوات من الصور والكلمات ومقاطع الفيديو المصورة، ولا تستفز الغرب بكلماتها، ولا تتجاوز الحق في مواقفها، إلا أن إدارة الشركات تمنعهم، وتوقف تقديم الخدمة لهم، وتمتنع عن استضافتهم، وتعطل جهودهم، بل إنها تغلق مواقعهم، وتشطب حساباتهم، دون تحذيرٍ مسبق، أو تبليغٍ وتنبيهٍ لهم، حيث تقرر مزاجياً تعطيل كل الحسابات فجأةً، وهي تعلم أنه لا قدرة للعمل دونهم، ولا يستطيع أحدٌ أن يقدم لهم البديل عنهم.

لم يكن إغلاق حساباتي التسعة أول أمس دفعةً واحدة هو السبب وراء كتابة هذا المقال، إذ سبق للشركة أن أغلقت حساباتي على خلفية مقالٍ لي بعنوان "حكوماتٌ إسرائيلية متشددة وحاخاماتٌ يهودية متطرفة"، وإن كنت لا أقلل من حجم الحزن الذي أصابني، والأسى الذي لحق بي، وحالة الغضب التي كنت فيها، إذ دمرت الشركة بقرارها الاستنسابي، الذي لا أراه إلا عنصرياً مقيتاً، ينبع عن كرهٍ وحقدٍ كبير، جهد سنواتٍ طويلة من العمل المتراكم والمنظم، إذ بنيت على مدى سنواتٍ قاعدة بياناتٍ ضخمة، سهرت عليها، وبذلت في تكوينها وتصنيفها وتبويبها جهوداً كبيرة، ونجحت في أن أكتب كل يومٍ عما أراه ينفع ويخدم هذه الأمة، فما تركت عنواناً إلا كتبت فيه، ولا حدثاً إلا وتناولته بالدراسة والتعليق.

لكنني بإذن الله سأمضي قدماً من جديد، بهمةٍ وقوةٍ وحيويةٍ وأمل، وسأتابع ما بدأت، وسأواصل ما نذرت نفسي من أجله، ولن أتوقف عن جهد مقلٍ أقدمه دفاعاً عن أمتي، ومقاومةً من أجل قضيتي، واسناداً لشعبي، وتأييداً لحقوقي وأهلي، وسأبني ما هدموا، وسأعمر ما خربوا، وسأرفع عماد ما قد هبَّطُوا.

بقلم/ د. مصطفى يوسف اللداوي