"14 عامًا" مرت من عمر نجلة الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي علاء أبو جزر من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة "جُمانة"، وكأنها "14يومًا"، فالعمر مضى سريعًا، لكن عجلة القدر تدور ببطء في موازاة ذلك، فلم يُكتب لتلك المجروحة والمحرومة من حنان الوالدين أن تراهما طيلة تلك المدة الزمنية سوى مرةً واحدة.
فوالدتها توفت بعد ولادتها بفترة زمنية قصيرة، وعمها "أيمن" الذي احتضنها واعتبرها نجلته استشهد بعد سنوات من احتضانها، لتنتقل لتتربى في أحضان جدتها وجدها، لكن سرعان ما جاء القدر ليخطف الأخير وينقله إلى جوار نجله، لتبحث في أحضان جدتها عن حنان الأم والأب التي فقدتهما برحيل جميع هؤلاء..
ومنذ ذلك الحين تعلقت "جُمانة" بجدتها، وبخيط الأمل الذي يربطها بوالدها الذي علمت بعدما وعت على الحياة أنه مُعتقل داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتشدقت بذاك الأمل من حينها حتى يومنا هذا، ولم تتمكن من زيارته سوى مرة واحدة قبل أسابيع، بعد منع الاحتلال لها مرات عدة بحجة "الرفض الأمني".
ولم يكن لقاء اليتيمة بخيط أملها في الحياة "والدها" باللقاء العادي، بل كان لقاءًا حميمًا، بعد 13عامًا من الأسر، فاندهش من شكلها وهي الأخرى كذلك، لتذرف دموعهما بغزارة، وحالة الأسلاك الشائكة والقواطع الزجاجية من أن يعانقا بعضهما البعض، ليمنحها شحنةً من الحنان الذي فقدته طيلة سنوات عمرها..
وأعاد اللقاء الأول والأخير لـ "جُمانة" مع والدها الأمل لها من جديد أن تراه قريبًا بجانبها، بكافة أفراحها وأحزانها، ومناسباتها الجميلة، خاصة عندما تستلم شهادة التفوق في المدرسة، كونها من الأوائل على مدرستها، فحافظت على مستواها الدراسي رغم المآسي والضربات المتتالية التي تلقتها برحيل من تُحب في الحياة..
ومضى "13عامًا" من مدة محكومية والدها، البالغة "18عامًا" وتبقى خمسة أعوام، تنتظر أن تنتهي بفارغ الصبر، ليعود والدها لها، ويعوضها الحنان الذي فقدته، كحق طبيعي لها كطفلة كما باقي أطفال العالم، الذين يعيشون بأمن وأمان.
حُلم طال!
وتقول جُمانة" لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، في يوم الأسير الفلسطيني الذي يُصادف 17إبريل/ نيسان من كل عام: "مشتاقة كثيرًا لوالدي، وبتمنى يكون معي في كل المناسبات، خاصة في الأعياد، وعندما أخرج للتنزه، وعندما أتسلم شهادة التفوق، فأكون محتاجة لأن أراه بجواري يفرح معي ويحتضني".
وتضيف "نفسي أعيش ويبقى معي بابا كما أطفال العالم، ما هو ذنبي أن أحرم من حنانه؟!، فأمي توفاها الله وعمي وجدي لم يبقى لي سوى والدي وجدتي في الحياة، نفسي يخرج من السجن ويعوضني الحنان الذي فقدته، ويُشاركني كل أحزاني وأفراحي".
وتابعت جُمانة "أنا مثل أي طفل في العالم، يجب أن يكون لدي أب يرعاني، ويخاف علي، ويبقى معي، ويحميني، ويعني بي، ويوفر لي كل ما احتاجه، فيجب على العالم أجمع أن ينظر لمعاناة أطفال وعوائل الأسرى، ويعمل على تفعيل قضيتهم ويضعها على سُلم الأولويات".
كل العالم للأسرى
وتشير "جُمانة" إلى أنها كلما تنام وتُغمض عيانها تتذكر والدها، وتبكي، ولم يغيب عنها بتاتًا، وتفتقده وتشعر بلوعة فراقه في المناسبات التي تحتاجه بجوارها فيها، مضيفة "كل يوم أذهب للمدرسة أقبل صورته وأصبح عليه، وعندما أعود أمسي عليه وأقبل صورته".
وتشدد على أنه من غير المنطقي أن يحتفي الشعب الفلسطيني ويحيي يوم الأسير في يوم واحد، بل لا بد من أي يكون كل العام للأسرى، "لأنه كل يوم نعاني ونتفقد أبائنا"، متمنية الوقوف وقفة جادة بجانب قضيتهم، والعمل على تحريرهم ومن بينهم أبيها بشتى السُبل..
ووجهت "جُمانة" رسالة لوالدها قالت فيها: "بابا مشتاقلك كتير، والفرج قريب إن شاء الله، والذكرى الجاية بتمنى تكون بينا أنت وجميع الأسرى داخل السجون، وابقى قوي، وأنا أنتظر بفارغ الصبر، وسأبقى أنتظر اليوم الذي ستخرج فيه من السجن".